بسم الله الرحمن الرحیم
والصلاة والسلام على أشرف الخلق محمد وآله الطاهرین.
کان البحث فی أنّه إذا نظر الأب أو لمس المملوکة بشهوة فإنها تحرم على ابنه، وهکذا العکس. وقد استعرضنا الروایات الدالة على ذلک، إلاّ أنّ هناک روایات أُخرى تدل على عدم التحریم بذلک، هی:
1 ـ عن علی بن یقطین، عن العبد الصالح ـ علیه السلام ـ ـ موسى بن جعفر ـ عن الرجل یقبّل الجاریة یباشرها من غیر جماع داخل أو خارج، أتحلّ لابنه أو لأبیه؟ قال: ((لا بأس))(1).
وهذه أفضل روایة تدل على عدم التحریم.
2 ـ عن ابن أبی عمیر، عن عبد الرحمن بن الحجّاج وحفص بن البختری وعلی بن یقطین، قالوا: سمعنا أبا عبد الله ـ علیه السلام ـ یقول فی الرجل تکون له الجاریة، أفتحل لابنه؟ فقال: ((ما لم یکن جماع أو مباشرة کالجماع فلا بأس))(2).
وهی فی قوّة ثلاث روایات؛ لأنّ ثلاثة من الرواة سمعوا الإمام ـ علیه السلام ـ یقول کذا وکذا. ولکن بعضهم عنونها بروایة علی بن یقطین فقط.
3 ـ عن عبد الله بن یحیى الکاهلی، عن أبی عبد الله ـ علیه السلام ـ فی حدیث قال: سألته عن رجل تکون له جاریة فیضع أبوه یده علیها من شهوة أو ینظر منها إلى محرم من شهوة، فکرِهَ أن یمسّها ابنه(3).
والکاهلی محلّ بحث فی الرجال، فالسند مشکل إذن.
ومضمون هذه الروایة عجیب، وذلک:
أوّلاً: لأنّ التصرّفات التی قام بها الأب محرّمة علیه، بینما محلّ الکلام هو التصرفات المحللة له.
وثانیاً: أن کونها من الروایات المعارضة یتوقف على کون الکراهة فیها بالمعنى الاصطلاحی الفقهی القابل للحرمة، بحیث یدّعى صیرورتها حقیقة شرعیة فی کلمات المعصومین ـ علیهم السلام ـ فی ذلک. وهو غیر تام، حیث یمکن حملها على المعنى اللغوی الشامل للحرمة؛ لأنّه کثیراً ما استعملت فی القرآن فیه، کما فی قوله تعالى: (کُلُّ ذَلِکَ کَانَ سَیِّئُهُ عِنْدَ رَبّکَ مَکْرُوهاً)(4)، وکان قد سبقه ذکر بعض الذنوب الکبیرة.
وثالثاً: أنّ القاعدة الثابتة فی الباب هی أنّ الحرام لا یحرم الحلال، والجاریة کانت ملکاً للابن وحلالاً له، فلا تحرُم علیه بسبب ما فعله أبوه.
وعلیه فبسبب هذه الإشکالات نحذف هذه الروایة من الروایات المعارضة.
والنتیجة هی أنّ هناک روایتین معارضتین فقط.
إذن فهناک تعارض بین الروایات، فما هو الحل؟
ذُکرت ثلاثة وجوه للجمع فی المقام:
الوجه الأوّل: التوسل بالجمع المعروف فی الفقه کلّما کان هناک نص وظاهر، وذلک بحمل الظاهر ـ وهی الروایات الناهیة ـ على النص ـ وهی الروایات المجوّزة ـ ونتیجته هی الجواز على کراهة.
الوجه الثانی: أن یجمع بینها بتقیید المطلقات، حیث إنّ بعض الروایات الناهیة کانت تقول بأنّ النظر واللمس یحرِّمان إذا کانا عن شهوة، والروایات المجوزة تقول بأنّ ذلک حلال، والنتیجة هی عدم التحریم إذا کان النظر واللمس من دون شهوة.
الوجه الثالث: أن تحمل الروایات الناهیة على النظر واللمس الحلال، والروایات المجوّزة على النظر واللمس الحرام.
والجمع الأوّل هو الجمع الموافق للقاعدة، وإنّما لم یعتمده العلماء هنا لأنّ نتیجته ـ وهی الکراهة ـ مخالفة للمشهور القائلین بالحرمة، ولکننا على خلاف المشهور نقول بأنّ ذلک لیس محرِّماً، وإن کان الأفضل ترک زواج الأب والابن من ملموسة الآخر ومنظورته حفظاً للکراهة المستفادة فی هذا الجمع.
وعلى أی حال، کلّ هذا المطلب لیس محلاً للابتلاء فی زماننا، وإنّما تعرّضنا له کمقدمة للمطلب الآتی.
الأقوال
لم یُنقل القول بالحرمة فی الحرّة عن شخص معروف، وغالباً ما لم تذکر هذه المسألة فی کلماتهم، وفخر المحققین فقط ینقل فی (الإیضاح) فیقول: (المسألة الرابعة: النظر المحرّم إلى الأجنبیّة هل یحرِّم الأُمّ والبنت؟ کل من قال: لا یحرِّم الوطء بالزنا قال: لا یحرِّم هنا. واختلف القائلون بالتحریم بالوطء بالزنا فی تحریمه هنا على قولین، والأقوى عندی عدم التحریم به للأصل)(5).
أدلة القائلین بالتحریم
هناک روایتان یمکن استفادة تحریم النظر واللمس فی الحرة منهما:
1 ـ وعن علی بن إبراهیم، عن أبیه، عن ابن أبی عمیر، عن جمیل بن درّاج، قال: قلت لأبی عبد الله ـ علیه السلام ـ: الرجل ینظر إلى الجاریة یرید شراءها، أتحلّ لابنه؟ فقال: ((نعم، إلاّ أن یکون نظر إلى عورتها))(6).
وهی تثبت التحریم فی الجملة، حیث إنّ مضمونها هو أنّ نظر الأب إلى عورة الجاریة حرامٌ بسبب حرمتها على ابنه.
2 ـ وعنه ـ محمد بن یعقوب ـ عن أحمد، عن علی بن الحکم، عن عبد الله بن یحیى الکاهلی، عن أبی عبد الله ـ علیه السلام ـ فی حدیث قال: سألته عن رجل تکون له جاریة فیضع أبوه یده علیها من شهوة أو ینظر منها إلى محرّم من شهوة، فَکَرِهَ أن یمسّها ابنه(7).
قد مرّ الکلام فی هذه الروایة وأنّ الاستدلال بها مشکل سنداً ودلالة، حیث یتوقف على معرفة المعنى المراد من (کره) وأنّه الحرمة کما تشهد له آیات القرآن الکریم، أو الکراهة المصطلحة فی کلمات الفقهاء؟ وحمل الکراهة على الحرمة مشکل، وإذا لم نقل بأنّها الکراهة بالمعنى الفقهی فلا أقلّ من التردد.
والنتیجة هی أنّ الروایة الأُولى خاصة بالنظر إلى العورة، والثانیة عامّة ولکن الاستدلال بها مشکل.
أدلة عدم التحریم
یمکننا أن نذکر دلیلین على عدم التحریم فی المقام:
الأول: أننا فی المبحث السابق ـ أی فی حکم المرأة التی یزنی بها الأب أو الابن ـ اخترنا عدم التحریم، فإذا کان الزنا لا یوجب الحرمة فالنظر واللمس لا یوجبانها بطریق أولى.
الثانی: أنّ هذه المسألة من مصادیق القول المعروف: (لو کان لبان)، حیث إنّه لو کان النظر واللمس موجبان لحرمة الحرّة المنظورة والملموسة على أبی الناظر وابنه لکان اشتهر ذلک وکثر السؤال عنه؛ لأنّه محل ابتلاء شدید، ومع عدم کل ذلک یعلم بأنهما لا یوجبان التحریم فی الحرّة.
والنتیجة هی أنّه لا یوجد دلیل على التحریم، بل على العکس هناک دلیلان على عدمه.
وصلّى الله على سیدنا محمدٍ وآله الطاهرین.
_____________________________
(1) الوسائل 21: 195، أبواب نکاح العبید والإماء، ب77، ح3.
(2) الوسائل 20: 422، أبواب ما یحرم بالمصاهرة، ب5، ح3.
(3) الوسائل 20: 417، أبواب ما یحرم بالمصاهرة، ب3 ح2.
(4) الإسراء: 38.
(5) إیضاح الفوائد 3: 66.
(6) الوسائل 20: 417، أبواب ما یحرم بالمصاهرة، ب3 ـ ح3.
(7) الوسائل 20: 417، أبواب ما یحرم بالمصاهرة، ب3، ح2.
الهوامش: