بسم الله الرحمن الرحیم
یقول الإمام الخمینی قدّس سرّه:
(مسألة 1: لا یجوز نکاح المرأة لا دائماً ولا منقطعاً إذا کانت فی عدّة الغیر، رجعیة کانت أو بائنة، عدّة وفاة أو غیرها، من نکاح دائم أو منقطع أو من وطء شبهة، ولو تزّوجها فإن کانا عالمین بالموضوع والحکم بأن علما بکونها فی العدّة وعلما بأنّه لا یجوز النکاح فیها، أو کان أحدهما عالماً بهما بطل النکاح وحرمت علیه أبداً، سواء دخل بها أو لا، وکذا إن جهلا بهما أو بأحدهما ودخل بها ولو دبراً. وأمّا لو لم یدخل بها بطل العقد ولکن لم تحرم علیه أبداً، فله استئناف العقد علیها بعد انقضاء العدّة التی کانت فیها).
فی هذه المسألة فرعان أساسیان:
الأول: بطلان عقد النکاح فی عدّة الغیر مطلقاً.
الثانی: فی أنّه هل النکاح فی عدّة الغیر یوجب الحرمة الأبدیة أو لا؟
وقد ذکر الإمام ـ قدس سرّه ـ والفقهاء الآخرون أربع صور فی الفرع الثانی نستعرضها عند البحث فیه.
عندما یکون النکاح فی عدّة الغیر حراماً تکلیفاً فإنّه یکون باطلاً أیضاً، ولا یفرّق فی ذلک بین أقسام العدّة من البائنة أو الرجعیة، أو عدّة الوفاة من العقد المنقطع أو من العقد الدائم.
الأقوال:
أرسل جماعة البطلان فی هذا الفرع إرسال المسلّمات حیث لم یذکروه أصلاً، وخصّوا الکلام فی الفرع الثانی. والذین ذکروه جعلوه أیضاً من المسلّمات.
قال السید السند قدس سرّه: (إذا تزوّج الرجل امرأة فی عدّتها فالعقد فاسد قطعاً... وبالجملة: فلا إشکال فی هذه الأحکام) فساد العقد والحرمة الأبدیة (لأنّها موضع نصّ ووفاق)(1).
وفی ذلک دعوى الإجماع.
وقال فی (الجواهر): (لا یجوز نکاح المرأة دائماً ولا متعة فی العدّة، رجعیة کانت أو بائنة، عدّة وفاة أو غیرها) کعدّة وطء الشبهة (من نکاح دائم أو منقطع، بلا خلاف أجده فیه، بل الإجماع بقسمیه علیه)(2).
والمسألة إجماعیة حتى عند أهل السنّة. قال ابن رشد فی (بدایة المجتهد): (واتّفقوا على أنَّ النکاح لا یجوز فی العدّة، کانت عدّة حیض أو عدّة حمل، أو عدّة أشهر)(3).
فالمرأة إمّا تعتدّ بثلاث حیضات، وإمّا تعتدّ بوضع حملها إذا کانت حاملاً، وإمّا تعتدّ بثلاثة أشهر إذا کانت لا تحیض وهی فی سن من تحیض.
الأدلّة:
یمکن الاستدلال على هذا الحکم بعدّة أدلّة:
1ـ بالإجماع المدّعى فی الکلمات السابقة وغیرها. ولکنّه مدرکی فینفع مؤیّداً فقط.
2ـ بالآیات، وذلک بآیتین:
أـ قوله تعالى: (وَلاَ تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النّکَاحِ حَتّى یَبْلُغَ الْکِتَابُ أَجَلَهُ)(4) وفی ذلک إشارة إلى أجل العدّة المذکورة، ومثل ذلک فی قوله تعالى: (وَالّذِینَ یُتَوَفّوْنَ مِنکُمْ وَیَذَرُونَ أَزْوَاجاً یَتَرَبّصْنَ بِأَنْفُسِهِنّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَیْکُمْ فِیَما فَعَلْنَ فِی أَنْفُسِهِنّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِیرٌ* وَلاَ جُنَاحَ عَلَیْکُمْ فِیَما عَرّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النّسَاءِ أَوْ أَکْنَنْتُمْ فِی أَنْفُسِکُمْ عَلِمَ اللّهُ أَنّکُمْ سَتَذْکُرُونَهُنّ وَلکِن لاَ تُوَاعِدُوهُنّ سِرّا إِلاَّ أَن تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً وَلاَ تَعْزِمُوا....)(5).
(وَلاَ تَعْزِمُوا) نهیٌ، وهو ظاهر فی الحکم الوضعی هنا وإن لم یکن نهیاً عن عبادة، وفی معناه احتمالان:
الأوّل: أن یکون معنى کنائیاً عن ترک النکاح، أی لا تفکّروا بهذا الموضوع، للدلالة على المبالغة فی لزوم ترک الفعل؛ لأنّه إذا کان یلزم ترک مجرّد القصد لذلک فإنّه یلزم ترک الفعل بطریق أولى.
الثانی: أن تکون نفس هذه النیّة حراماً فی العدّة، وحرمة النیّة من باب المقدّمة، فیحرم ذو المقدّمة بطریق أولى، کما تحرم المقدّمة لحرمة ذیها.
إن قلت: الاحتمال الثانی لیس صحیحاً لمخالفته لصریح صدر الآیة المجوّز لذلک بقوله تعالى: (وَلاَ جُنَاحَ عَلَیْکُمْ فِیَما عَرّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النّسَاءِ أَوْ أَکْنَنْتُمْ فِی أَنْفُسِکُمْ)، إذن لا إشکال فی النّیة الباطنیة، بل لا إشکال فیما هو أکثر منها بحسب الآیة الشریفة.
قلنا: إنّ صدر الآیة یتحدّث عمّا بعد العدّة، ولکن ذیلها مورده زمان العدّة، فلا ارتباط بین الصدر والذیل کما هو واضح.
وعن السید الحکیم ـ قدّس سرّه ـ فی مستمسکه أنّ الآیة واردة فی خصوص عدّة الوفاة، فلا تدل على غیرها إلاّ بمعونة الإجماع.
أقول: هناک عشر آیات (6) فی سورة البقرة تتحدّث عن مسألة الطلاق والعدّة، ولا تختصّ بعدّة الوفاة. فمع الالتفات إلى ذلک لا یبعد أن تکون الآیة (235) عامّة أیضاً، خلافاً للسید الحکیم قدّس سرّه.
ب: قوله تعالى (وَالْمُطَلّقَاتُ یَتَرَبّصْنَ بِأَنْفُسِهِنّ)(7).
ولم یستدلّ أحدّ بهذه الآیة مع أنّها تدلّ على المطلوب؛ لأنّه ما هو معنى التربّص؟ معناه لزوم أن ننتظر المرأة إلى نهایة العدّة لکی تتزوّج، فلو کان الزواج فی العدّة جائزاً لا یبقى هناک معنى للتربّص.
إذن نفس التربّص یدلّ على حرمة النکاح فی العدّة وبالنتیجة بطلانه.
3ـ أنّ ذلک مقتضى المتبادر العرفی من مفهوم العدّة، فالعدّة حریم الزوجیة السابقة، ومفهومها عرفاً أن تترک المرأة فیها الزواج.
ومع وجود هذا الدلیل لا نحتاج إلى البحث عن دلیل آخر للحرمة، ولعلّه لذلک لم یتعرّض بعض العلماء للبحث فی هذا الفرع وأرسلوه إرسال المسلّمات.
مضافاً إلى أنّ إحدى فلسفات وجوب العدّة هی عدم تداخل المیاه، ومع الزواج فی العدّة لا یحصل التحرّز عن ذلک.
ولذلک عندما توطأ المرأة شبهة یجب علیها أن تعتدّ وعلى الزوج ألاّ یطأها إلاّ بعد انتهاء العدّة.
إذن هذا هو المتبادر من مفهوم العدّة، والعرف والشرع ملتزمان بهذا المعنى ویقولان بأنّه على المرأة أن تنتظر إلى أن تنتهی عدّتها.
_________________________
(1) نهایة المرام 1: 169 ـ 170.
(2) الجواهر 29: 428.
(3) بدایة المجتهد 2: 38.
(4) البقرة: 235.
(5) البقرة: 234ـ 235.
(6) من الآیة 228 من سورة البقرة إلى الآیة 237.
(7) البقرة: 228.
الهوامش: