بسم الله الرحمن الرحیم
والحمد لله رب العالمین وصلى الله على محمد وآله الطاهرین
الأراضی العامرة بالاصل هی ما تکون قابلة للزرع لا تحتاج إلى غیرماء السماء أو تحتاج وفیها ما یکفیها سواء کانت مثل الغایات التفه بالاشجار النافعة.
او الأراضی التی لیس فیها شیء ولکنها قابلة للزرع.
او الأراضی التی لم تکن قبل ذلک قابلة له ولکن بسبب حدوث اسباب واختراع الات فی عصرنا صارت قابلة لها بعد وفور هذه الالات أو کانت لا تصل إلیها الایدی ولم تعد قابلة للزرع قبل ذلک والان لیست کذلک.
او وجدت هناک بذور ینمو فیها بعد ان لم تکن فی سابق الایام أو وجدت اشجار تنمو فیها کذلک.
وکذا الأراضی التی خرجت من تحت الماء.
وبالجملة مصادیقها لیست قلیلة لا سیما فی اعصارنا (ولکن کثیر من هذه الامثلة من قبیل ما عرض له الحیاة بعد ان کان مواتا والغرض الاشارة إلى سعة الموضوع).
واما حکمها وقد وقع الکلام فی انها من المباحات أو هی فی الانفال التی للامام (ع) ظاهر کلماتهم فی کتاب احیاء الموات انها ملک للامام (ع) قال العلامة فی القواعد: (وکل ارض لم یجر علیها ملک مسلم فهی للامام (ع)) وقال فی مفتاح الکرامة فی شرحه (کما طفحت بذلک عباراتهم بلا خلاف من احد، وفی التذکرة الاجماع علیه).
هذا ولکن لما کان اطلاق هذه العبارة تشمل جمیع املاک الکفار من دون استثناء فهی باجمعها بمقتضى هذه العبارة ملک للامام (ع) مع ان الظاهر عدم القول به من احد لانهم قسموا اراضیهم إلى الأراضی المفتوحة عنوة أو صلحا أو ما اسلموا علیها ولکل حکم خاص به، قال فی المفتاح بعد ذکر هذا الکلام: (هذا اذا کانت الارض فی بلاد الإسلام کما فی التحریر وغیره).
وهذا التقیید لیس ببعید بعد ملاحظة جمیع کلماتهم فی ابواب الأراضی.
هذا ولکن مع ذلک یظهر من کلام الجواهر التردید فی اصل المسألة بقوله فی مبحث الانفال لکن الانصاف انه مع ذلک کله لا یخلو من اشکال من حیث ظهور کلمات اکثر الأصحاب فی اختصاص الانفال بالموات وما کان علیه ید الکفار ثم استولی من دون ان یوجف علیه، بخیل ولارکاب.
ثم احتمل کونها من المباحات الاصلیة بل استظهر ذلک وان قال ان المسألة غیر محررة فی کلمات الأصحاب.
والعمدة فی ذلک ان اطلاق مصححة اسحاق بن عمار ظاهر فی دخول العامرة بالاصالة فی الانفال قال: سألت أباعبدالله (ع) عن الانفال، فقال: هی القرى التی قد خربت وانجلى اهلها فهی لله وللرسول، وما کان للمملوک فهو للامام، وما کان من الارض بخربة لم یوجف علیه بخیل ولارکاب، وکل أرض لارب لها والمعادن منها، ومن مات ولیس له مولی فماله من الانفال.
وکذا ما رواه العیاشی عن أبی بصیر عن أبی جعفر (ع) قال: ((لنا الانفال))، قلت: وما الانفال؟ قال: ((منها المعادن والاجام، وکل أرض لاربّ لها وکل أرض باد أهلها فهو لنا)).
وحمل قوله کل ارض لاربّ لها على خصوص الموات مما لا دلیل علیه اصلا بل ولا انصراف هناک بل ویمکن تأییدها بما فی روایة محمد بن مسلم «کل قریة یهلک اهلها أو یجلون عنها» لانها کثیرا ما لا تکون من الموات فتامل.
وکذا ما رواه زرارة عن الصادق(ع): ((کل ارض جلا اهلها)) فانها أیضاً عام.
ولا یعارضها قوله: ((کل ارض میته لا رب لها)) الواردة فی مرسلة حماد من الانفال لانها من قبیل القیود الغالبیة التی لا مفهوم لها.
بقی هنا شیء: وهو انه هل تملک هذه الارض بالحیازة أم لا؟
ذکر الشیخ الاعظم فی مکاسبه فیه وجهین من انها مال الامام (ع) ولا دلیل على تملکها لغیره بالحیازة ومن انه لا مانع من تملکها بالحیازة کما تملک الموات بالاحیاء فیدخل فی عموم قوله فـ من سبق إلى ما لم یسبق إلیه مسلم فهو احق به (انتهى).
واورد فی نهج الفقاهة على الاستدلال بالنبوی (ص) اولا بان الحق اعم من الملک وثانیا بانه مخصوص بما جاز السبق إلیه فلا یشمل السبق إلى مال الغیر بغیر اذنه ومنه مال الامام فی ما نحن فیه واما خصوص التحلیل فمع انها مختصة بالشیعة غیر ظاهرة فی الملک ثم امر بالتأمل.
هذا ویمکن ان یقال ان مقتضى السبق اعم ففی بعض الموارد یکون موجبا للاولویة وفی بعضها یکون سببا للملکیة اذا لم یکن هناک مانع.
وان شئت قلت: هذه قاعدة عقلائیة امضاها الشارع ومن المعلوم ان الحیازة والسبق فی مالا مالک له فی امثال المقام سبب عندهم للملک لحیازة السباحات الاصلیة:
والقول بان الحیازة لا توجب الملک اول الکلام نعم یمکن ان یکون فی الموات کذلک واما فی المحیاة فلا.
واما ما ذکره ثانیا فیرد علیه ان ظاهر الحدیث کونه من قبیل الاجازة من ناحیة الامام (ع) لصدق عدم سبق احد إلى هذه الأراضی ومجرد کون الامام (ع) مالکا لا یعد سبقا والا جرى مثل هذا الاشکال بعینه فی أراضی الموات، فتدبر وعلى کل حال تملک هذه الأراضی بالحیازة قوى.
مضافا إلى جریان السیرة علیها فکم من ارض محیاة حازها اناس وملکوها من دون نکیر من العلماء وغیرهم والظاهر انها مستمرة إلى زمن المعصومین ـ علیهم السّلام.
فان کان باحیائه من قبل بعض الناس فقد مر الکلام فیها وان کان بسبب سماوى فقد یقال ـ کما فی نهج الفقاهة ـ انها ملک الامام قطعا للاصل والادلة المتقدمة فی ما کان محیاة بالاصالة.
اقول: اما الاصل فهو الاستصحاب وقد عرفت غیر مرة عدم حجیته فی الشبهات الحکمیة.
واما الادلة المتقدمة فلا یبعد شمول اطلاقات الروایات له فانها ارض لارب لها فتدخل فی ملک الامام (ع).
ثم انه یجری الکلام فی تملکها بالحیازة ما جرى فی القسم الثالث والحق انها أیضاً تملک بالحیازة مثلها.
بقی هنا شیء وهو ان الأراضی التی باد اهلها أو انجلى اهلها أیضاً من الانفال وتکون للامام (ع) لظهور غیر واحد من الاحادیث الدالة على بیان الانفال علیه بل صراحتها فی ذلک مثل ما رواه محمد بن مسلم قال: سمعت أباعبدالله (ع) یقول: وسئل عن الانفال فقال: ((کل قریة یهلک اهلها أو یجلون عنها فهی نفل لله عزّ وجلّ)). الحدیث.
وما رواه الحلبی ان أبی عبدالله (ع) قال: سألته عن الانفال فقال:. الحدیث.
((ما کان من الارضین باد اهلها وفی غیر ذلک الانفال هو لنا)) وکذا ما رواه عبدالله بن سنان عن أبی عبدالله (ع) وما رواه ابو بصیر وداود بن فرقد.
نعم الجلاء ملازم للاعراض وهو سبب لکونها من المباحات لولا وجود الروایات الکثیرة السابقة.
الأراضی التی بید الکفار على اقسام:
1ـ ما یبقى تحت ایدیهم فی حال الکفر فهی کسایر املاکهم من دون تفاوت.
2ـ ما اسلموا علیها فهی أیضاً باقیة على ملکهم کسایر اموالهم بلا اشکال ولاکلام.
3ـ ما صولحوا علیها فان صولحوا على کونها لهم فهی لهم بلا اشکال وان صولحوا على ان تکون للمسلمین فهی بحکم المفتوحة عنوة یکون للمسلمین.
4ـ ما فتحت عنوة وهی المقصود بالکلام هنا ومحل للکلام بین الاعلام.
وحاصل الکلام فیها ان المعروف کونها للمسلمین کافة .
قال فی مفتاح الکرامة: (الضرب الرابع ان الارض التی فتحت عنوة وهذه للمسلمین قاطبة باجماع علمائنا قاطبة وقد نقل الاجماع على ذلک فی الخلاف والتذکرة والمنتهى).
وقال فی الجواهر: (هی للمسلمین قاطبة الحاضرین والغابین والمتجددین... بلاخلاف اجده فی شیء من ذلک بیننا... بل فی الغنیة والمنتهی وقاطعة اللجاج للکرکی والریاض وموضعین من الخلاف بل والتذکرة على ما حکى عن بعضها الاجماع علیه بل هو محصل نعم عن بعض العامة اختصاص الغانمین بها).
وقد صرح شیخنا الاعظم فی مکاسبه بکون المسألة اجماعیا وحکاه عن غیر واحد أیضاً.
واستدل لها مضافا إلى ذلک بغیر واحد من الروایات:
مثل ما رواه الحلبی قال: سئل ابوعبدالله (ع) عن السواد ما منزلته؟ فقال: ((هو لجمیع المسلمین لمن هو الیوم، ولمن یدخل فی الإسلام بعد الیوم ولمن لم یخلق)). (الحدیث)
وما رواه ابوالربیع الشامی عن أبی عبدالله (ع) قال: ((لا تشتر من أرض السواد ـ أراضی اهل السواد ـ شیئاً الا من کانت له ذمة فانما هو فىء للمسلمین)).
وما رواه محمد بن شریح قال: سألت اباعبدالله (ع) عن شراء الارض من أرض الخراج فکرهه، وقال: ((انما أرض الخراج للمسلمین)). (الحدیث)
وما رواه ابوبردة بن رجا قال: قلت لأبی عبدالله (ع): کیف ترى فی شراء أرض الخراج؟ قال: ((ومن یبیع ذلک؟ هی ارض المسلمین!)) قال: قلت یبیعها الذی هی فی یده، قال: ((ویصنع بخراج المسلمین ماذا؟)) ثم قال: ((لا بأس اشترى حقه منها ویحول حق المسلمین علیه)).
وما رواه حماد بن عیسى عن بعض أصحابنا عن أبی الحسن (ع) فی حدیث قال: ... ((والارضون التی أخذت عنوة بخیل أو رکاب فهی موقوفة متروکة فی یدی من یعمرها ویحییها ویقوم علیها على ما صالحهم الوالی على قدر طاقتهم)).
وما رواه محمد بن أبی نصر قال: ذکرت لأبی الحسن الرضا (ع) الخراج وما سار به اهل بیته، فقال: ((العشر ونصف العشر على من أسلم طوعاً... وما اُخذ بالسیف فذلک إلى الامام یقبله بالذی یرى کما صنع رسول الله (ص) بخیبر)).
فالمسأله بحسب الاقوال والادلة غنیة عن البحث اکثر من هذا.
احدها: انه یظهر من المحقق النراقی فی المستند ان موضع الوفاق کونها للمسلمین ولکن تردد فی ان کلها لهم بعنوان ملک الرقبة اولها نوع اختصاص لهم ولو من جهة صرف منافعها فی مصالحهم.
ثم قال: صرح بعض أصحابنا بعدم تملک الرقبة.
وصریح بعض آخر التملک.
وکلام الاکثر خال عن القیدین بل قالوا انها لهم ثم حکى عن کتاب احیاء الموات من الکفایة ان المراد بکونها للمسلمین ان الامام یأخذ ارتفاعها ویصرف فی مصالحهم على حسب ما یراه ثم قال لیس فی الاخبار ما یدل على الملکیة اذ غایة ما فیها اما الاضافة ویکفی فیها أو فی الملابسة أو اللام وکونها حقیقة فی الملک خاصة غیر ثابتة بل احد معانیها الاختصاص أو الاستحقاق... مع ان الملکیة لا یمکن ان تکون لغیر المعین اذ لا معنى لها... فان قیل یلزم بقاء رقبتها بلا مالک، قلنا: لا محذور فیه کما فی الزکاة قبل تسلیمها إلى مستحقها... بل یمکن ان یکون رقبتها للامام (ع) انتهی مورد الحاجة.
اقول: اما قوله ان الاضافة لا تدل على الملکیة فهو مخالف للظاهر فی اضافة الاموال إلى الاشخاص وکذلک اللام فانه اذا کان واردا على مال فی قبال شخص کان ظاهرا فی الملکیة کما اذا شهد الشهود عند القاضی على ان هذا الدار لزید وعلیه مدار کلماتهم فی الابواب المختلفة من الفقه والظاهر ان عدم تعرض المشهور للملکیة فی المقام انما نشأ من وضوحه وظهوره.
واما عدم جواز تعلقه بغیر المعین فهو ممنوع لان تعلق الملک بالعناوین والجهات مما لا اشکال فیه عندنا کما مر سابقا فالملاک هنا عنوان المسلمین بما هو اشارة إلى الخارج کالوقف على طلاب العلم أو السادة أو غیرهم فانه صحیح بلا اشکال فلا تصل النوبة إلى کون الملک بلا مالک فکونها ملکا للمسلمین بما لا یبقى الریب وان کان ملکا لهم کان على الاشاعة ولازمه کون المنافع کذلک قلت لا مانع من کون المنافع اما احکاما خاصة مضافا إلى ان ملکیة الجهة لا تقتضی الاشاعه فتدبر.
والحمد لله رب العالمین وصلى الله على محمد وآله الطیبین الطاهرین
الهوامش: