مر الحديث عن الطوائف الخمس المستثنيات من المبيت بمنى وانهم لا يجب عليهم المبيت وهم المريض والممرض والخائف على نفسه وماله والرعاة وأهل السقاية ومن كان مشتغلا بالعبادة في مكة. ولكن هل تجب عليهم الكفارة أم لا؟ فيه وجوه قد اختصرها في المستند بقوله: وهل يسقط مع زوال الإثم الفداء أيضاً، أم لا؟ عن الغنية: الأول والظاهر: الثاني، لإطلاق روايت ثبوت الدم بترك المبيت. وعدّوا من ذوي الأعذار: الرعاة، وأهل سقاية الحاج، وعن الخلاف والتذكرة والمنتهى: نفي الخلاف عنه[2].
وقال في كشف اللثام: وإطلاق النصوص والفتاوى يشمل الجاهل والناسي والمضطر، فيكون جبرانا لا كفارة[3].
وأما الأدلة في المسألة:
لم يرد دليل خاص في خصوص الطوائف المذكورة سوى الطائفة الخامسة حيث وردت فيها عدة روايات على عدم الكفارة فيها. ولكن يمكن التمسك بإطلاقات الباب بالنسبة للطوائف الأخرى. وطريق الحل هنا مترتب على القول بأن الكفارة هل هي من باب الجبران أو أنها من باب العقوبة والمجازاة؟ فبناء على كونها من الجبران تجب الكفارة على جميع الطوائف السابقة وهذا يشمل المضطر وغيره، وأما على كوناه من باب العقوبة والمجازاة فلا تجب الكفارة حينئذ لأنهم لم يتركوا لله تعالى امراً إلا ما اذن لهم في تركه، فلا يحسن منه تعالى عقابهم على ما جوز تركه لهم، وهذا الأخير هو الصحيح لقوله تعالى: {لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ}[4] خلافاً لصاحب الجواهر حيث ذهب إلى أنها من باب الجبران. هذا وأما الكلام في الطائفة الخامسة وهو من كان مشتغلا بالعبادة في مكة فقد وردت عدة روايات نافية للكفارة:
منها: في الصحيح عَنْ صَفْوَانَ قَالَ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ ع سَأَلَنِي بَعْضُهُمْ عَنْ رَجُلٍ بَاتَ لَيَالِيَ مِنًى فَقُلْتُ لَا أَدْرِي فَقُلْتُ لَهُ جُعِلْتُ فِدَاكَ مَا تَقُولُ فِيهَا فَقَالَ ع عَلَيْهِ دَمُ شَاةٍ إِذَا بَاتَ فَقُلْتُ إِنْ كَانَ إِنَّمَا حَبَسَهُ شَأْنُهُ الَّذِي كَانَ فِيهِ مِنْ طَوَافِهِ وَ سَعْيِهِ لَمْ يَكُنْ لِنَوْمٍ وَ لَا لَذَّة أَ عَلَيْهِ مِثْلُ مَا عَلَى هَذَا قَالَ مَا هَذَا بِمَنْزِلَةِ هَذَا وَ مَا أُحِبُّ أَنْ يَنْشَقَّ لَهُ الْفَجْرُ إِلَّا وَ هُوَ بِمِنًى.[5]
ومنها: الصحيح الذي رَوَاهُ الْكُلَيْنِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ وَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَنِ الْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ عَنْ صَفْوَانَ وَ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ مِثْلَهُ وَ زَادَ وَ سَأَلْتُهُ عَنِ الرَّجُلِ زَارَ عِشَاءً فَلَمْ يَزَلْ فِي طَوَافِهِ وَ دُعَائِهِ وَ فِي السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَ الْمَرْوَةِ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ قَالَ لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ كَانَ فِي طَاعَةِ اللَّهِ.[6]
وقد صرح في هذا الخبر بعدم وجوب الكفارة عليه ويمكن اصطياد قاعدة كبرى من ذيلها: قال ليس عليه شيء کان فی طاعة الله فان الممرض واهل السقاية ايضا يمکن القول بانه مشتغل بالعبادة فيدخل تحت هذا العنوان مصداقا وحکما.
ومنها: أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْحُسَيْنِ يَعْنِي ابْنَ سَعِيدٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى وَ فَضَالَةَ وَ صَفْوَانَ كُلِّهِمْ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع عَنْ رَجُلٍ زَارَ الْبَيْتَ فَلَمْ يَزَلْ فِي طَوَافِهِ وَ دُعَائِهِ وَ السَّعْيِ وَ الدُّعَاءِ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ فَقَالَ لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ كَانَ فِي طَاعَةِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ[7]
ومع هذا يمكن الاستناد بحديث الرفع فإنه حاكم على هذه الإطلاقات، بتقريب أن سبب عدم وجوب البيتوتة على الرعاة وأهل السقاية ومن كان ماله في معرض التلف وغيرهم هو الاضطرار، وما اضطروا إليه من الموارد المرفوعة في حديث الرفع فبالنتيجة لا تجب عليهم الكفارة.
ومع هذا كله نرى السيد الماتن رحمه الله قد أفتى بوجوب الكفارة للطائفتين الأوليتين وقد احتاط في الثالثة والرابعة.
والسّلام.
الهوامش: [1] تحرير الوسيلة، الامام الخمينی، ج1، ص455.
[2] مستند الشيعة، المحقق النراقی، ج13، ص43.
[3] کشف اللثام، المحقق الاصفهانی، ج6، ص240، ط جامعة المدرسين.
[4] مائده/سوره5، آيه95.
[5] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملی، ج14، ص252، ابواب العود الی منی، الباب1، الرقم19122، ح5، ط آل البيت.
[6] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملی، ج14، ص254، ابواب العود الی منی، الباب1، الرقم 19126، ح9، ط آل البيت.
[7] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملی، ج14، ص255، ابواب العود الی منی، الباب1، الرقم 19130، ح13، ط آل البيت.