بسم الله الرحمن الرحیم
انتهینا فی الدرس الماضی من بیان روایات الطائفة الأُولى التی تدل على عدم جواز الجمع بین العمة وابنة أخیها والخالة وابنة اُختها إلاّ بإذن العمّة والخالة، وروایات الطائفة الثانیة التی تدل على عدم جواز ذلک من دون تقیید. فما هو وجه الجمع بینهما؟
من الواضح أنّه لابدّ هنا من حمل المطلق على المقیّد، والشاهد على هذا الجمع روایة سادسة عن محمد بن مسلم، عن أبی جعفر علیه السلام، قال: ((إنّما نهى رسول الله ـ صلّى الله علیه وآله وسلم ـ عن تزویج المرأة على عمتها وخالتها إجلالاً للعمّة والخالة، فإذا أذنت فی ذلک فلا بأس))(1).
وهی علاوة على کونها شاهداً للجمع ناظرة إلى روایات أهل السنّة أیضاً، والتی هی روایات متعددة، أفتوا لأجلها بعدم جواز الجمع مطلقاً.
روایات الطائفة الثالثة
وهی الروایات التی تقول بحرمة مطلق الجمع، کما هو مذهب العامّة، وهی مثل: ... عن أبی الصباح الکنانی، عن أبی عبد الله علیه السلام، قال: ((لا یحلّ للرجل أن یجمع بین المرأة وعمّتها ولا بین المرأة وخالتها))(2) من غیر فرق بین ورود العمّة أو الخالة على ابنة الأخ أو الأُخت أو العکس.
(دعائم الإسلام) عن رسول الله صلّى الله علیه وآله وسلم، أنّه نهى أن یجمع الرجل بین المرأة وعمّتها، وبین المرأة وخالتها(3).
الملاحظ أن الطائفة الثالثة مطلقة، تشمل کلتا صورتی ورود العمّة أو الخالة على ابنة الأخ أو الأُخت، والعکس. فإذا قایسنا بینها وبین مفاد الطائفتین السابقتین نجد أن النسبة بینهما هی نسبة المطلق إلى المقیّد؛ حیث إنّ مفاد الطائفتین السابقتین هو عدم جواز ورود ابنة الأخ أو الأُخت على العمّة أو الخالة إلاّ بإذنهما، وجواز العکس من دون إذن الابنتین. وقد أُشیر فی روایة محمد بن مسلم السادسة إلى أنّ نهی النبی ـ صلّى الله علیه وآله وسلم ـ عن ذلک إنّما هو لأجل احترام العمّة والخالة فقط. وعلیه فیحمل المطلق على المقیّد.
روایات الطائفة الرابعة
وهی الروایات المخالفة فی مضمونها للروایات السابقة حیث تقول: ((لا بأس))، وهی عبارة عن روایتین:
1 ـ نقل العلامة ـ قدّس سرّه ـ فی (المختلف) وغیره عن ابن أبی عقیل، أنّه روى عن علی بن جعفر قال: سألت أخی موسى ـ علیه السلام ـ عن رجل یتزوّج المرأة على عمّتها أو خالتها؟ قال: ((لا بأس، لأنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ قال: (وَأُحِلَّ لَکُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِکُمْ)))(5).
والروایة مرسلة کما هو واضح، ومعرض عنها بین الأصحاب.
2 ـ … عن علی بن جعفر، عن أخیه موسى بن جعفر علیه السلام، قال: سألته عن امرأة تزوّج على عمّتها وخالتها؟ قال: ((لا بأس))، وقال: ((تزوّج العمّة والخالة على ابنة الأخ وابنة الأُخت ولا تزوّج بنت الأخ والأُخت على العمّة والخالة إلاّ برضى منهما، فمن فعل فنکاحه باطل))(6).
وصدر الروایة معارضٌ لذیلها، فکیف یجتمعان فی روایة واحدة؟
هناک احتمالان فی رفع هذا التعارض:
الأوّل: فی بعض النسخ (لا) بدل (لا بأس)، وعلیه فیرتفع التنافی فی الروایة.
الثانی: أن یکون الذیل مفسّراً للصدر ومبیّناً للمقصود من ((لا بأس))، وأن المراد به أنّه یجوز الجمع فی صورة رضا العمّة أو الخالة.
ولأجل حلّ التعارض بین هذه الطائفة والطوائف السابقة لابدّ أوّلاً من ملاحظة مقتضى الجمع الدلالی بینها، والملاحظ أنّ هذه الطائفة مطلقة، ومفاد الطوائف السابقة مقیّد، فیحمل المطلق على المقیّد، خصوصاً أن الروایات المطلقة لیست إلاّ اثنتین، والروایات المقیّدة کثیرة.
وأمّا إذا نوقش فی الجمع الدلالی ووصلت النوبة إلى إعمال المرجّحات، فإننا نجد أنّ هناک مرجحاً لمفاد الطوائف السابقة، هو الشهرة الروائیة والفتوائیة، مضافاً إلى مخالفتها لبعض العامّة.
وبالمقابل هناک مرجحٌ للطائفة الرابعة؛ حیث إنّ ((لا بأس)) موافق لکتاب الله تعالى، حیث یقول سبحانه: (وَأُحِلَّ لَکُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِکُم).
إذن هناک مرجح لکل طرف، فما هو المقدّم؟
الجواب عن ذلک یرتبط ببحث أُصولی مذکور فی باب التعارض حول أنّه هل هناک ترتیب بین المرجّحات أو تخییر؟ نحن نقول بالترتیب بینها، وأنّ أوّلها هو الشهرة؛ لأنّها أوّل شیء ذکر فی الروایة الذاکرة للمرجّحات.
ولابدّ من الإشارة إلى أنّ تمام هذه الأبحاث تأتی فیما لو غضضنا النظر عن الإشکال السندی فی روایات الطائفة الرابعة.
وصلّى الله على سیدنا محمد وآله الطاهرین.
___________________________
(1) الوسائل 20: 489 ـ 490، أبواب ما یحرم بالمصاهرة، ب30، ح10.
(2) الوسائل 20: 489، أبواب ما یحرم بالمصاهرة، ب30، ح7.
(3) دعائم الإسلام 2: 235/ 882. المستدرک 14: 410 ـ أبواب ما یحرم بالمصاهرة، ب30، ح4.
(4) النساء: 24.
(5) الوسائل 20: 490، أبواب ما یحرم بالمصاهرة، ب30، ح11.
(6) الوسائل 20: 487 ـ 488 ـ أبواب ما یحرم بالمصاهرة، ب30، ح3.
الهوامش: