بسم الله الرحمن الرحیم
والصلاة والسلام على أشرف الخلق محمّدٍ وآله الطاهرین.
الأمر الثالث: لو عقد على امرأة ثمّ لاط بأخیها فإنّها لا تحرم علیه؛ فلو طلّقها بعد ذلک فهل له أن یجدّد العقد علیها أو لا؟
لم یتعرّض الکثیرون لهذا الفرع، والذین تعرّضوا له اختلفوا فی حکمه، ظاهر کلام (الجواهر)(1) جواز تجدید العقد علیها، واستند فی ذلک إلى الاستصحاب؛ باعتبار أنَّها حین اللواط کانت فی حباله فلم تحرم علیه، فبعد الطلاق تستصحب الحلّیة الثابتة حال العقد.
واستقرب فی (کشف اللثام)(2) أیضاً عدم حرمة تجدید العقد.
بینما اختار السیّد الحکیم ـ قدّس سرّه ـ فی (المستمسک) الحرمة، وناقش فی إمکان التمسّک بالاستصحاب هنا بما نصّه: (إنَّ استصحاب الحلّ الفعلی لا مجال له؛ للحرمة بالطلاق والاستصحاب التعلیقی) والذی معناه هنا حلّیتها علیه إذا ما تزوّجها (لا یقین سابق بمؤداه)؛ لأنَّ الحلّیة حال الزواج السابق کانت فعلیّة لا تعلیقیة، ولا معنى للتعلیق سابقاً، إذن لیس لهذه القضیة الشرطیة حالة سابقة حتّى تستصحب. وانتهى ـ قدّس سرّه ـ إلى الاستدلال على الحرمة بالإطلاقات . وأمّا أنَّ الحرام لا یحرّم الحلال فهو خاصّ بحال العقد ولا یشمل ما بعد الطلاق، بمعنى أنَّ لسانه لسان عدم رفع للحلال الموجود، ولیس لسان عدم دفع للحلال اللاحق.
أقول: إشکاله على صاحب (الجواهر) لیس وارداً؛ لأنَّ الاستصحاب عنده لیس لحلّیة الوطء، وإنّما هو استصحاب لحلّیة النکاح الذی معناه عدم تحریم المرأة مؤبّداً على اللائط؛ لفرض حصول اللواط بعد الزواج.
فالإشکال على الاستصحاب من هذه الناحیة غیر تامٍ.
نعم، هذا الاستصحاب مشکل عندنا من جهة کونه استصحاباً حکمیاً، ونحن لا نقول بحجیّته ومع ذلک لیس الحکم هنا هو الحرمّة؛ لأنَّ التمسّک بالإطلاقات الذی استند إلیه السیّد الحکیم ـ قدّس سرّه ـ فیه إشکال مهمّ، وهو أنَّ لازمه هنا التفکیک وانفصال الأثر عن المؤثّر؛ حیث إنَّ اللواط بأخ الزوجة ـ مثلاً ـ حینما یقع حال الزواج لا یؤثر شیئاً، فإذا حصل الطلاق ولو بعد عشر سنوات یؤثر حینئذٍ فی تحریم العقد مجدداً على هذه المرأة.
إن قلت: لا إشکال فی انفکاک الأثر عن المؤثر، لأنَّه یمکن ألاّ یکون المؤثر علّة تامّة فالمقتضی للحرمة موجود ولکن هناک مانع عن تأثیره، فإذا ارتفع المانع یؤثر هذا المقتضی حینئذٍ. وهو کالإجازة اللاحقة ـ ولو بعد سنوات ـ للعقد الفضولی.
قلنا: لیس معنى إشکالنا هو العلّة التامّة حتّى یبحث عن استحالة ذلک وعدم استحالته، بل معناه هو أنَّ ذلک على خلاف ظاهر الإطلاقات القائلة مثلاً: ((إذا أوقب حرم علیه اُخته))، حیث إنّها ظاهرة فی حرمتها علیه الآن لا بعد سنوات، فالإطلاقات إذن منصرفة إلى ذلک، ولا تشمل فرض حصول الحرمة بعد الطلاق الحاصل بعد سنوات، ولا أقلّ من الشکّ، فنتمسّک بالأصل الأوّلی الذی مقتضاه الحلّیة.
إن قلت: إذا لاط رجلٌ بغلام قبل عشر سنوات مثلاً والآن أصبح لهذا الغلام أُخت فإنکم تقولون بحرمة هذه الأخت على ذلک الرجل رغم هذا الفاصل الزمنی الکبیر بین صدور المؤثر وحصول الأثر، فما هو الفرق بین المقامین؟
قلنا: الفرق بینهما واضح، وهو أنَّ الأخت فی محلّ الکلام ـ والتی هی موضوع الحرمة ـ موجودة فعلاً، بینما الأخت فی الإشکال لیست موجودة حال اللواط، وفرق بین الانفکاک بسبب عدم وجود الموضوع، والانفکاک مع وجوده.
توضیحه: أحیاناً تکون القضیة خارجیة، والحکم یتجّه نحو الأفراد الموجودین فعلاً، کما لو قال شخص: جمیع جیرانی جیّدون؛ فإنّ کلامه لا یشمل إلاّ الجیران الفعلیین، لا جمیع الجیران حتّى مَن یأتی لاحقاً.
وأحیاناً تکون القضیة حقیقیة، تشمل جمیع الأفراد، الموجود منهم فعلاً ومَن سیوجد لاحقاً، وفی ما نحن فیه قضیة ((إذا أوقب حرم علیه أخته)) لیس قضیة خارجیة، وإنّما هی قضیة حقیقیة انصب فیها الحکم على عنوان الأخت، فیشمل الأخت المقدّرة الوجود أیضاً کما یشمل الأخت الموجودة فعلاً.
أمّا محلّ الکلام فإنَّ مسألة طلاق الزوجة وإرادة تجدید العقد علیها من قبیل القضیة الخارجیة، ولذا یشکل الانفکاک والفصل فیها، والأصل الأوّلی هنا هو الحلّیة.
إذن مختارنا فی هذا الفرع هو جواز تجدید العقد على المطلقة التی لاط بأخیها ـ مثلاً ـ حال العقد علیها.
لا ثبوت للحکم إلاّ فی صورة الیقین بالإیقاب
یقول الإمام الخمینی قدّس سرّه: (مسألة 26: لو شکّ فی تحقق الإیقاب حینما عبث بالغلام أو بعده بنی على العدم).
یمکن أن یستدل على هذا الحکم باستصحاب عدم الإیقاب، وهو استصحاب موضوعی یجری عند الشک فی تحقق الإیقاب وعدمه. فتترتب حینئذٍ تمام آثار عدم حصول الإیقاب، وکأنَّ شیئاً لم یحصل.
وأیضاً یمکن إجراء استصحاب الحکم الجزئی ـ لا الکلّی؛ لأننا لا نقول بحجیّته ـ فهذه المرأة لم تکن سابقاً حراماً علیه، والآن نشکّ فی حرمتها، فنستصحب حلّیتها السابقة.
إن قلت: الاستصحاب الثانی تعلیقی، لأنَّ فیه تعلیقاً على العقد، بمعنى أنّه لو کان قد نکح هذه المرأة سابقاً فإنّه کان یحلّ له وطؤها، والآن بعد الطلاق إذا جدّد العقد علیها حلّ له وطؤها، وهذا تعلیقٌ.
قلنا: لیس هذا الاستصحاب تعلیقیاً، فنحن لا نستصحب جواز الوطء بل نستصحب حلّیة النکاح الثابتة فعلاً سابقاً ونشک فی طرو ما یرفعها، هذا مضافاً إلى أنّنا نقول بحجیة الاستصحاب التعلیقی خلافاً لبعض الأعلام ووفاقاً لأخرین.
وصلّى الله على سیّدنا محمّدٍ وآله الطاهرین.
_____________________
(1) الجواهر 29: 449.
(2) کشف اللثام 7: 188.
الهوامش: