بسم الله الرحمن الرحیم
والصلاة والسلام على أشرف الخلق محمدٍ وآله الطاهرین.
یقول الإمام الخمینی قدّس سرّه: (مسألة 25: إنّما یوجب اللواط حرمة المذکورات إذا کان سابقاً، وأمّا الطارئ على التزویج فلا یوجبها ولا بطلان النکاح، ولا ینبغی ترک الاحتیاط).
تشکّل هذه المسألة مع المسألة التالیة الفرعین الحادی عشر والثانی عشر فی هذا البحث.
وعنوان البحث هنا هو أنّه هل للواط اللاحق للنکاح التأثیر الذی للواط السابق بحیث یوجب حرمة المذکورات وبالتالی انفساخ عقد الزوجة، أو لا؟
الأقوال:
الظاهر أنَّ المشهور یقولون بعدم الحرمة هنا، وقال البعض بالحرمة. ویستفاد من کلمات بعض الفقهاء أنَّ هناک قولاً ثالثاً فی المسألة، وهو التفصیل بین لحرقه للعقد وسبقه للدخول فیؤثر، وبین لحوقه لهما فلا یؤثر.
قال فی (الریاض): (قیل: وإنّما تحرم المذکورات مع سبق الوطء على العقد علیهنَّ ولو انعکس لم تحرم؛ للأصل، وعموم أنَّ الحرام لا یحرّم الحلال... لکن عن ابن سعید) یحیى ابن سعید من علماء القرن السابع فی الجامع للشرائع (انفساخ نکاح المرأة بالإیقاب، وهو ظاهر فی عموم التحریم، کإطلاق المتن) وهو (المختصر النافع) للمحقّق الحلّی قدّس سرّه، (والمقنعة وجماعة وصریح النهایة... وعن الأسکافی التصریح بالتحریم هنا بعد العقد قبل الوطء)(1).
وقال فی (الحدائق): (إنّ تحریم المذکورات مشروط بسبق الفعل على العقد علیهنَّ فلو سبق العقد علیهنَّ فإنّه لا تحرم، وهو ممّا لا إشکال فیه)(2).
وقد صرّح بعدم الحرمة المحقّق الثانی ـ قدّس سرّه ـ فی (جامع المقاصد)(3)، وکذا المحقّق صاحب (الجواهر) وإن کان قد مال إلى الاحتیاط فیه(4).
إذن ففی المسألة ثلاثة أقوال:
أدلّة القول المشهور:
تمسّک المشهور القائلون بعدم الحرمة بدلیلین:
الأوّل: بأنّ الحلّیة هی الأصل فتستصحب، والحرمة تحتاج إلى دلیل.
الثانی: النبوی المعروف: ((إنّ الحرام لا یحرّم الحلال))(5).
أدلّة القول غیر المشهور:
واستند القائلون بالحرمة إلى دلیلین أیضاً:
الأوّل: إطلاق الروایات الخمس السابقة فی أصل المسألة؛ حیث لم یفصّل فیها بین کون اللواط سابقاً على النکاح أو لاحقاً له.
وفیه: أنَّ هذا الإطلاق محّل بحث؛ لأنّه ما هو معنى الحرمة هنا؟ هل معناها حرمة إجراء العقد، أو معناها حرمة بقاء العقد، أو معناها کلاهما؟
لا یبعد انصراف الإطلاقات إلى الأوّل، ولا أقلّ من الشکّ بالانصراف، وهو کافٍِ فی الثبوت.
وعدم الانصراف هو أحد مقدمات الحکمة، فإذا کان الإطلاق منصرفاً أو شککنا فی الانصراف لا یمکن التمسّک بالإطلاق حینئذٍ.
الثانی: مرسلة ابن أبی عمیر المصرّحة بالحرمة، فعن أبی عبد الله ـ علیه السلام ـ فی رجل یأتی أخا امرأته فقال: ((إذا أوقبه فقد حرمت علیه المرأة))(6).
وسندها لا مشکلة فیه؛ لأنَّ مراسیل ابن أبی عمیر کمسانیده یؤخذ بها؛ لأنّه لا یرسل إلاّ عن ثقة، ودلالتها أیضاً جیدة، ولکن المشکلة فیها هی إعراض المشهور عن العمل بها.
إذن فالقول بالحلّیة وفاقاً للمشهور هو الصحیح.
بقی هنا أُمور:
الأمر الأوّل: لا یوجد فی الأدلة ما یمکن أن یستدلّ به على القول الثالث (القول بالتفصیل) إلاّ بیان لا یخلو من تکلّف ولا فائدة فیه، إذن فهو قولٌ لا وجه له.
الأمر الثانی: لو طلّق زوجته وبعد انتهاء عدّتها لاط بأخیها، ثمّ أراد العقد علیها مجدداً فهل یکون مشمولاً للإطلاقات فیحرم أو لا؟
ظاهر کلمات جماعة من الأعاظم عدم الجواز، وتردد فیه بعضهم مثل صاحب (الحدائق) والمحقّق الثانی وصاحب (الریاض) قدّست أسرارهم جمیعاً، ولازمه الاحتیاط الوجوبی.
أقول: لیس فی المسألة دلیل خاص، فنبقى نحن والإطلاقات ولا شکّ فی شمول الإطلاقات له؛ لأنّ ظاهر الإطلاقات حرمة ابتداء العقد کما ذکرنا، وهنا یُراد ابتداء العقد، والعقد السابق بالطلاق وانتهاء العدّة کأنّه لم یکن شیئاً.
وصلّى الله على سیّدنا محمّدٍ وآله الطاهرین.
_____________________
(1) الریاض 10: 215.
(2) الحدائق 23: 601.
(3) جامع المقاصد 12: 318.
(4) الجواهر 29: 448 ـ 449.
(5) الوسائل 20: 426، أبواب ما یحرم بالمصاهرة، ب 6، ح 11.
(6) الوسائل 20: 444، أبواب ما یحرم بالمصاهرة، ب 15، ح 2.
الهوامش: