بسم الله الرحمن الرحیم
والصلاة والسلام على أشرف الخلق محمد وآله الطاهرین.
الفرع الخامس: فی أنَّه هل تحرم أُمّ الواطئ وأخته وبنته على الموطوء أیضاً أو لا؟
ادّعى العلاّمة ـ قدّس سرّه ـ فی (التذکرة) والشهید ـ قدّس سرّه ـ فی شرح (اللمعة) الإجماع على عدم الحرمة، ونسب الشیخ ـ قدّس سرّه ـ فی (الخلاف) القول به إلى بعض الأصحاب، ولم یعرف هذا البعض من هو، فلا اعتبار به، فالإجماع إذن قویٌ.
والدلیل الوحید الذی ذکر للحرمة ـ بناءً على القول بها ـ هو عموم الضمائر فی قولهم علیهم السلام: ((إذا أوقب حرمت ابنته وأُخته))(1)، حیث إنَّ فاعل (أوقب) هو الرجل، والضمائر فی (ابنته وأخته) ترجع ـ بناءً على هذا الدلیل ـ إلى کلٍ من الرجل والغلام، ومعه تکون دلیلاً على حرمة أم الواطئ وأخته وبنته على الموطوء أیضاً کما تحرم أمّ الموطوء وأخته وبنته على الواطئ.
وهذا الاستدلال عجیبٌ واقعاً، وفیه:
أوّلاً: أنَّ السؤال فی الروایة عن الفاعل (الرجل) فقط.
وثانیاً: أنَّ استعمال الضمیر فی مرجعین لیس محالاً، ولکنّه خلاف الظاهر ویحتاج إلى قرینة.
إذن ظاهر الروایات کون مرجع الضمیر هو الموطوء (الغلام) فقط.
الفرع السادس: هل حرمة المذکورات مختصّة بالنسبیّات أو تشمل الرضاعیات أیضاً؟
ألحق فی (الجواهر) الرضاعیات بالنسبیات فی ذلک، ونسب القول به إلى العلاّمة فی (التحریر) والشهید الثانی فی شرح (اللمعة) وإلى (کشف اللثام)، وقال به أیضاً الإمام الخمینی قدّس سرّه، وصاحب (العروة)، وکثیرون ممّن علّق على (العروة).
فالقائلون بالإلحاق کثیرون، ولکنّنا لا ندّعی علیه الإجماع.
ودلیله: الروایات الکثیرة التی تقول: ((یحرم من الرضاع ما یحرم من النسب))(2)، ولا نحتاج فی الاستدلال علیه إلى القول بعموم (الأُمّ) مثلاً للرضاعیة، بل أنَّ الروایات الخمسة موردها النسبیّات، ولکن بضمیمة القاعدة المستفادة من الروایات الکثیرة الناصّة على أنّه یحرم من الرضاع ما یحرم من النسب نستفید حرمة الرضاعیات أیضاً فی هذه المسألة.
إن قلت: إنَّ مفاد (یحرم من الرضاع ما یحرم من النسب) هو ما إذا کان النسبُ سببَ الحرمة، ولکنّ سبب الحرمة فی هذه المسألة هو اللواط، فلا تشمله القاعدة.
وبعبارة أخرى: إنّما تجری القاعدة فیما إذا کان النسب هو العلّة التامّة للحرمة، وفی المقام لیس الأمر کذلک، حیث إنَّ حرمة أُمّ الموطوء لیست بسبب النسب بل بسبب الوطء الحرام ، ولیس النسب هنا إلاّ جزء العلّة، إذن لا تجری القاعدة فیه.
قلنا: مرّ کلام فی مسألة من مسائل الرضاع(3) یصلح جواباً على هذا الإشکال، وهو أنَّ سبب الحرمة الرضاعیة تارة یکون النسب فقط، کما فی حرمة المرضعة على المرتضع بعنوان کونها أمّاًَ رضاعیة له، واُخرى ینضمّ إلى ذلک سبب آخر کالمصاهرة، کما فی حرمة الأمّ الرضاعیة للزوجة على الزوج، وهنا الرضاع لا یحلّ محلّ السبب (المصاهرة)، بل یحلّ محلّ النسب وعنوان الأمّ فی أمّ الزوجة.
إذن لیس النسب دائماً علّة تامّة للتحریم فی باب الرضاع، بل قد یکون جزء العلّة، وفی المقام الأمر کذلک، حیث إنَّ حرمة الأمّ النسبیّة للموطوء على الوطئ مسببة عن جزئین: کونها أمّ الموطوء، وحصول الوطء المحرّم. والأوّل جزء نسبی، والثانی جزء سببی، والرضاع هنا یحلّ محلّ الجزء النسبی ویحقّق عنواناً آخر للأمّ هو الأمّ الرضاعیة، وبضمّه إلى الجزء الآخر السببی (الوطء) تکتمل عناصر الحرمة.
إذن لا إشکال فی إلحاق الرضاعیّات بالنسبیّات فی الحرمة هنا.
الفرع السابع: فی أنّه لا یحرم بسبب هذا الوطء إلاّ أمّ الموطوء وأخته وابنته على الواطئ. ولا یحرم ابن الواطئ على بنت الموطوء، أو ابن الموطوء على بنت الواطئ، أو الأحفاد على بعضهم؛ لعدم بیان ذلک فی الروایات.
نعم، فی روایة موسى بن سعدان (4) ذکر ـ علیه السلام ـ أنّه مع الإیقاب یحرم ابن هذا على ابنة ذاک.
ولکن مرّ معنا أنَّ الروایة مشکلة سنداً، ومعرض عنها بین الأصحاب.
الفرع الثامن: فی أنَّ الحکم بحرمة المذکورات هل یختصّ بصورة العلم والعمد والاختیار أو یجری حتّى فی صورة الجهل وغیر العمد ـ کما فی حالة السکر ـ والإکراه؟
لم یتعرّض الإمام ـ قدّس سرّه ـ لهذا الفرع، وتعرّض له فی (العروة) فقال:
(والظاهر عدم الفرق فی الوطء بین أن یکون عن علم وعمد واختیار أو مع الاشتباه)(5). وعلّق علیه فی (المستمسک): (للإطلاق المعتضد بإطلاق الفتاوى)(6).
فالروایات والفتاوى مطلقة فی هذا المجال، وإن کان الذین تعرّضوا لهذا الفرع قلّة.
ولکن الإنصاف أنَّ دعوى الانصراف إلى صورة العلم والعمد والاختیار لیست بعیدة؛ لاحتمال ـ والاحتمال کافٍ ـ أن یکون هذا التحریم نوع جزاء وعقوبة؛ وسدّاً لباب ارتکاب الحرام فی المستقبل، حیث إنّه إذا تزوّج أخت الموطوء فسوف تکثر ملاقاته مع الموطوء، وقد یعودان لارتکاب الحرام. فإذا احتملنا أنَّ حکمة الحکم هی هاتان النکتتان (العقوبة، وسدّ باب ارتکاب الحرام) فإنّهما لا تجریان فی صورة الإکراه والجهل وعدم العمد، وقد یکون ذلک موجباً لانصراف الإطلاقات حینئذٍ، فتجری أصالة الحلّ بلا إشکال. وعلى من یدّعی ثبوت الحرمة إثبات ذلک؛ لأنّه یلزم فی الإطلاقات العلم بعدم الانصراف، فوجود احتمال الانصراف یکفی فی منع شمول الإطلاقات.
الفرع التاسع: لو کان الموطوء خنثى فهل تحرم أمّها وبنتها على الواطئ أو لا؟
وهاهنا سؤالان:
الأوّل: کیف یمکن أن یکون للخنثى بنت؟
ذلک ممکن، فیمکن أن تکون الخنثى المشکل أمّاً، کما ویمکن أن تکون أباً. ولذلک مثال فی زمان أمیر المؤمنین ـ علیه السلام ـ مذکور فی بعض الروایات(7).
الثانی: أنّ هذه المسألة فرع ألاّ تکون الخنثى جنساً ثالثاً. ولیست کذلک، بل هی إمّا رجل أو امرأة؛ ولذا یتوسل أحیاناً لتشخیصها بالقرعة، أو توّرث میراث الذکر والأنثى.
ولم یتعرّض الإمام ـ قدّس سرّه ـ لهذا الفرع، وتعرّض له فی (العروة) فقال:
(ولو کان الموطوء خنثى حرمت أمّها وبنتها على الواطئ؛ لأنّه إمّا لواط أو زنا).
کما وتعرّض له فی (الجواهر) و (المستمسک).
والوجه فیه تولّد علم تفصیلی بالحرمة من العلم الإجمالی بکونها إمّا ذکراً أو أُنثى؛ حیث إنّها إذا کانت ذکراً فلا إشکال فی ثبوت حرمة المذکورات بسبب اللواط، وإذا کانت أُنثى فالحاصل هو زنا، والزنا بالبنت یجب حرمة الأمّ، والزنا بالأمّ یوجب حرمة البنت.
وأمّا الأخت فلا تحرم على کل حال، بل على حال اللواط دون حال الزنا، ولذا لم یذکرها فی (العروة).
إذنّ حرمة البنت والأمّ هنا إمّا من باب اللواط وإمّا من باب الزنا.
ولکنّنا لا یمکننا أن نوافق على ذلک؛ لأنّنا لا نقول بإیجاب الزنا لحرمة الأمّ والبنت، بل تحریمهما مختصّ بالنکاح. وعلى هذا لا یوجد علمٌ إجمالی بالحرمة على کلّ حال حتّى یتولد منه علم تفصیلی.
فنحن إذن نشک فی کونها ذکراً أو أنثى، ومع الشک تجری أصالة الحلیّة.
الفرع العاشر: لو کان الموطوء میتاً، فهل تحرم أمّه وأخته وبنته على الواطئ؟
کثیرون تعرّضوا لهذا الفرع، ولم یفتوا فیه بالحرمة، ویمکن أن یکون الوجه فی ذلک إحدى نکتتین:
الأولى: انصراف الأدلة عن المیت لکونه فرداً نادراً، والفرد النادر لا یکون مشمولاً للإطلاق. ولکن البعض یعتقد بأنّ ندرة الوجود لیست سبباً للانصراف بخلاف ندرة الاستعمال.
ولکنّنا نعتقد بأنَّ ندرة الوجود سبب لندرة الاستعمال، فتکفی فی تحقق الانصراف.
الثانیة: ما ذکره السیّد الحکیم ـ قدّس سرّه ـ من أنّ المیت لا یسمّى غلاماً، وهذا الاسم مختصّ بالحّی.
أقول: لا یمکننا القبول بذلک، ولذا لو مات شخص یبقى یقال له: ابن فلان أو بنت فلان، أو الرجل الفلانی.
هذا تمام الکلام فی الفروع العشرة.
وصلّى الله على سیدنا محمّد وآله الطاهرین.
______________________
(1) الوسائل 20: 440، أبواب ما یحرم بالمصاهرة، ب 15، ح 1.
(2) الوسائل 20: 371، أبواب ما یحرم بالرضاع، ب 1.
(3) تحریر الوسیلة 2: المسألة 9 من مسائل الرضاع.
(4) الوسائل 20: 444، أبواب ما یحرم بالمصاهرة، الباب 15، ح 3.
(5) و (6) المستمسک 14: 165.
(7) الوسائل 26: 286، أبواب میراث الخنثى، الباب 2، ح 3.
الهوامش: