بسم الله الرحمن الرحیم
والصلاة والسلام على أشرف الخلق محمد وآله الطاهرین.
یقول الإمام الخمینی ـ قدّس سرّه ـ: (مسألة 10: الظاهر أنّه لا فرق فی العمّة والخالة بین الدنیا منهما والعلیا، کما أنّه لا فرق بین نسبیتین منهما والرضاعیتین).
یقع البحث فی هذه المسألة فی فرعین:
الفرع الأوّل: فی أنه لا فرق فی الحکم بین العمة الدنیا والعلیا، وکذا الخالة.
الفرع الثانی: فی أنّه لا فرق أیضاً فیه بین الرضاع والنسب.
کثیر من العلماء ترکوا التعرّض لهذا الفرع، ولکن من تعرض له منهم صرّح بعدم الفرق.
قال فی (الجواهر): (إلاّ أنّ الأقوى التعمیم)(1).
وفی (العروة): (لا فرق فی العمّة والخالة بین الدنیا منهما والعلیا).
وعلّق علیه فی (المستمسک): (کما عن (المبسوط) الجزم به واختاره جماعة وقوّاه فی (الجواهر) واستشکل فیه فی (القواعد) وغیرها... لکن الأوّل أقرب)(2).
ذکروا على التعمیم هنا دلیلین أشار إلیهما فی (الجواهر):
الأوّل: الاشتراک فی العلّة المذکورة فی روایة محمد بن مسلم السابقة، وبأنّه إنّما نهى النبی ـ صلّى الله علیه وآله وسلم ـ عن ذلک إجلالاً للعمّة والخالة(3)، ومن الواضح أنّ هذه العلّة موجودة فی مثل عمّة الأب وعمّة الجد أیضاً.
والجواب: أنّ ما ذکر فی تلک الروایة حکمة للحکم لا علّة له، ولا یمکن التعمیم استناداً إلى الحکمة. وغالب التعلیلات المذکورة فی الشرع هی على نحو الحکمة، فنحمل هذه هنا على الغالب، ولا أقل من الشک فی أنّها علّة أو حکمة، فلابدّ حینئذٍ من إثبات کونها علّة؛ لأنّ العلّة على خلاف الغالب.
الثانی: شمول عنوان العمّة والخالة لمن علا منهما، حیث یصدق على عمّة الأب والجد أیضاً عنوان العمّة.
وأضاف فی (الجواهر) نکتة تقوی التعمیم هنا حیث قال: (خصوصاً فی مثل النکاح الثابت نظیر ذلک فیه فی نظائر هذا اللفظ فی المحرمات ونحوها)(4).
والجواب: أنّ عمّة الأب لیست عمّة حقیقة للإنسان، وإنّما یصدق علیها هذا العنوان بنحو المجاز، وعند العرف عندما یقال: (عمّة) یفهم أن المراد خصوص العمّة المباشریة. ولو نذر إنسان أن یدعو عماته مثلاً فإنّه لا یجب علیه دعوة عمات أبیه وجدّه.
قال العلامة فی (التحریر): (سواء کانت العمّة والخالة حقیقیة کالعمّة الدنیا والخالة الدنیا أو مجازاً کالعمّة العلیا والخالة العلیا)(5).
والعجیب أنّه ـ قدّس سرّه ـ یقول بالتعمیم رغم اعترافه بأنّ استعمال العمّة والخالة فی العلیا منهما مجاز، ولعل ذلک لیس من باب شمول اللفظ لهما.
وأمّا قیاس ما نحن فیه بالمحارم النسبیة فهو قیاسٌ مع الفارق؛ لأنّ المحارم النسبیة علیها دلیل خاص، والقیاس لیس من مذهبنا. وعلیه فلا یمکننا القول هنا بأنّه لا فرق بین العلیا والدنیا من العمّة والخالة؛ لأنّه لا فرق بینهما فی المحرّمات النسبیّة.
إذن لا القیاس یمکن قبوله، ولا التعمیم من ناحیة اللفظ یجدی، ولا عموم العلّة. وعلیه یشکل الحکم بجواز النکاح بدون إجازة العمّة والخالة العلیا، وهذا ما یقتضیه الاحتیاط فی مثل هذه المسائل، وإلاّ لیس هناک دلیلٌ فی الواقع على هذه المسألة.
سؤال: لماذا لم یُبحث فی بنت الأخ وبنت الأُخت فی أنّه لا یفرّق فیهما بین العلیا والدنیا إلاّ القلیل من العلماء(6)؟
کان یجب التعرّض لذلک أیضاً، ولعلّهم کانوا یقولون بالتساوی، ولذلک لم یتعرضوا للبحث فیه.
وکثیرون أیضاً لم یتعرّضوا لهذا البحث، والذین تعرّضوا له قالوا بأنّه لا فرق فیه بین الرضاع والنسب. إذن المشهور هو الشمول.
قال المرحوم النراقی ـ قدّس سرّه ـ: (إلاّ أنّ الظاهر کون المسألة إجماعیة)(7) وکان ـ قدّس سرّه ـ قبل ذلک قد نقل التصریح بالتعمیم عن (القواعد) وغیره مثل (المبسوط) و(المهذب).
وقال العلامة فی (التحریر): (أرسلوه إرسال المسلّمات).
إذن فالمسألة واضحة القوّة من حیث الأقوال.
الأدلّة
1 ـ التمسک بقاعدة: ((یحرم من الرضاع ما یحرم من النسب))(8)، حیث إنّها بعمومها تشمل العمّات والخالات الرضاعیات هنا أیضاً.
وقد شکک بعضهم فی شمول هذا العموم لما نحن فیه، ولکننا نراه دلیلاً جیداً وقابلاً للقبول.
2 ـ صحیحة أبی عبیدة الحذّاء قال: سمعت أبا عبد الله ـ علیه السلام ـ یقول: ((لا تنکح المرأة على عمّتها ولا على خالتها ولا على أُختها من الرضاعة))(9) والروایة معتبرة سنداً.
وتمامیة الاستدلال بها تتوقف على إرجاع قید ((من الرضاعة)) إلى کلّ المذکورات لا إلى خصوص الأُخت.
والمذکور فی علم الأُصول أنّه فی مثل هذه الحالة یرجع القید إلى خصوص الفقرة الأخیرة إلاّ أن تقوم قرینة على رجوعه إلى الجمیع، ونحن نرى بأنه هاهنا توجد قرینة على رجوعه إلى الجمیع وهی وحدة السیاق؛ حیث إنّ عطف أُخت الزوجة الرضاعیة على العمّة والخالة النسبیتین یخرم وحدة السیاق، بخلافه ما لو رجع القید إلى الجمیع، فکُنَّ جمیعاً رضاعیات.
وعلى أی حال، المهمّ فی الاستدلال هو الدلیل الأوّل وإن کان لا یبعد إمکانیة التمسّک بالدلیل الثانی أیضاً.
وصلّى الله على سیدنا محمد وآله الطاهرین.
__________________________
(1) الجواهر 29: 361.
(2) المستمسک 14: 201.
(3) الوسائل 20: 490، أبواب ما یحرم بالمصاهرة، ب30، ح10.
(4) الجواهر 29: 361.
(5) التحریر 3: 441.
(6) قد تعرّض لهذا البحث فی (مستند الشیعة) 16: 319.
(7) مستند الشیعة 16: 319.
(8) الوسائل 20: 371، أبواب ما یحرم بالرضاع، ب1، ح1، 2.
(9) الوسائل 20: 489، أبواب ما یحرم بالمصاهرة، ب30، ح8.
الهوامش: