والصلاة والسلام على أشرف الخلق محمدٍ وآله الطاهرین.
یقول الإمام الخمینی ـ قدّس سرّه ـ: (مسألة 14: لو طلّق العمة أو الخالة فإن کان بائناً صحّ العقد على بنتی الأخ والأُخت بمجرد الطلاق، وإن کان رجعیاً لم یجز بلا إذن منهما إلاّ بعد انقضاء العدّة).
یقع الکلام هنا فی أنّه لو طلّق العمّة أو الخالة وأراد أن یعقد على ابنة الأخ أو ابنة الأُخت فی عدّة العمة أو الخالة، فهل هذا العقد صحیحٌ أو لا؟
القاعدة الکلیة فی هذا الباب أنّ العدّة على قسمین:
عدّة رجعیة: وهی فی حکم النکاح، ولا تکون المرأة فیها منفصلة کلیّة، وتترتب علیها تمام أحکام الزوجیة، ومنها عدم جواز العقد على ابنة أخیها أو أُختها إلاّ بإذنها.
وعدّة البائن: وهی التی تکون فی طلاق الخلع والمباراة، والطلاق الثالث أو التاسع وأمثال ذلک. والحکم فیها أنّ المرأة تبین کلیاً عن زوجها بالطلاق. وعلیه یتمکّن الزوج المطلِّق من العقد حینئذ وقبل تمام هذه العدّة على ابنة أخ مطلّقته وابنة أُختها؛ لأنه لا یحصل حینئذٍ جمعٌ بین المرأة وابنة أخیها أو أُختها.
وهذا الحکم واضح.
وبهذا یتمّ الکلام فیما تعرّض له الإمام الخمینی ـ قدّس سرّه ـ ابتداء من المسألة التاسعة وإلى هذه المسألة من حکم الجمع بین المرأة وابنة أخیها أو أُختها. وقد بقی هاهنا مسألتان تعدّان من فروع هذا البحث لم یتعرّض لهما الإمام ـ قدّس سرّه ـ بینما ذکرهما صاحب (العروة) قدّس سرّه، لابدّ من التعرّض لهما فنقول:
المسألة الأُولى: لو عقد فی آن واحد على العمّة وابنة أخیها من دون إذن العمّة، أو الخالة وابنة أُختها کذلک، فما هو الحکم؟ لا یمکن الحکم بصحة کلا العقدین کما هو واضح. وقد احتمل بعضهم مثل السید الحکیم ـ قدّس سرّه ـ بطلان کلا العقدین.
أقول: لیس هناک وجهٌ لبطلان کلا العقدین؛ لأنّه إذا کان هناک شیئان متزاحمان أحدهما مطلق والآخر مشروط، فإننا نأخذ بالمطلق وندع المشروط لعدم تحقّق شرطه، حیث إنّ المطلق بتحققه ینفی موضوع المشروط، بینما المشروط لا یمکنه فعل ذلک. وعلیه لا شک فی صحة عقد العمّة والخالة لإطلاقه، وبطلان عقد البنتین لمشروطیته، ولا معنى لصحة کلا العقدین أو بطلانهما معاً.
المسألة الثانیة: قد یقع نزاعٌ بین الزوج وزوجته (العمّة أو الخالة) بأنّه قد عقد على ابنة أخیها أو أُختها قبل العقد علیها وتنکر هی ذلک، أو یدّعی بأنّها قد أذنت له فی العقد علیهما وتنکر هی ذلک. فهو إذن قد عقد على ابنة الأخ أو الأُخت ویدّعی صحة هذا العقد، وتنکر زوجته ذلک وتدّعی الفساد.
ویمکن أن یقع التنازع بین العمّة وابنة أخیها أو الخالة وابنة أُختها، فتدّعی البنتان إجازة العمّة والخالة لعقدیهما، وتنکر العمّة أو الخالة ذلک.
فإذا رُفعت الدعوى إلى الحاکم الشرعی فهل یحکم بصحة العقد بناء على أصالة الصحة ویطالب الزوجة (العمة أو الخالة) المدّعیة للفساد بإقامة الدلیل علیه أو لا؟ قد یظهر فی بدو النظر أنّه یحکم بالصحة؛ لأنّه کلما شک فی اجتماع الشرائط حال صدور العقد تجری أصالة الصحة لتثبت صحة العقد الصادر، فیقدم قول مدّعی الصحة ویطالب مدّعی الفساد بالبینة، ولا تجری أصالة عدم الشرط؛ لأنّ أصالة الصحة فی العقود أمارة فتکون مقدّمة.
إلاّ أنّه ذکر فی (العروة) بأنّه یقدم هنا قول الزوجة المدّعیة للفساد؛ لأنّ المقام یفرق عن سائر العقود.
والإنصاف صحة ما ذهب إلیه فی (العروة).
بیانه: أنّ حاصل الفرق بین المقام وسائر العقود هو أنّ أصالة الصحة تجری فی باب العقود فیما إذا کانت الشرائط اللازمة قائمة بالطرفین (الموجب والقابل)، فإذا ادّعى أحدهما بعد حصول العقد فساده لا یقبل منه ویحکم بصحة ما صدر. والمقام لیس کذلک؛ حیث إنّ شرط الصحة قائم بطرف ثالث، وهو العمّة أو الخالة، حیث یلزم إذنهما فی صحة العقد؛ فإذا أنکرتا الإذن ـ کما هو فرض المسألة ـ لا یمکن التمسّک بأصالة الصحة حینئذٍ.
ومثال الحالة الأُولى التی یتمسّک فیها بأصالة الصحة أن تدّعی الزوجة إجبار والدها لها مثلاً على العقد وأنّها لم تکن راضیة به، فهنا لا یقبل منها الحاکم الشرعی ذلک، إلاّ أن تقیم بیّنة علیه، وهذا خروج عن محلّ البحث.
وخلاصة القول: إنّ أصالة الصحة ثابتة بحکم الشارع وبناء العقلاء، ومع عدمها لا یمکن الحکم بصحة أیّ عقد. نعم، لو أقام المدّعی بیّنة على الخلاف تقبل منه، وهذا القدر متیقّن فیما إذا لم یکن هناک دخالة لشخص ثالث غیر المتعاقدین، ومعه لا یمکن الرجوع إلى أصالة الصحة. فلو باع المالک الدار المرتهنة وادّعى إذن المرتهن فی ذلک وأنکر المرتهن، فإنّه لا یمکن التمسّک بأصالة الصحة لإثبات صحة هذا البیع.
وبهذا یتضح الحکم الکلی بالنسبة لأصالة الصحة فی باب العقود.
وصلّى الله على سیدنا محمد وآله الطاهرین.
الهوامش: