بسم الله الرحمن الرحیم
والصلاة والسلام على أشرف الخلق محمد وآله الطاهرین.
وبعد الانتهاء من بیان أصل الحکم فی المسألة یقع الکلام فی الفروع:
وهو أنّه لا فرق بین أن تکون الأختان من الأبوین أو من الأب لوحده أو من الأم کذلک.
ویدلّ علیه الإجماع ـ طبعاً کمؤیّد؛ لأنّه مدرکی ـ وإطلاق قوله تعالى: (وَأَن تَجْمَعُوا بَیْنَ الأُخْتَیْنِ)(1)، فإنّه یشمل کلّ من صدق علیهما أنّهما أُختین.
کما ویدلّ علیه إطلاق الروایات، مضافاً إلى أنّه لیس هناک فرق بین الإخوة فی ذلک فی تمام أبواب محرّمات النکاح بحسب ما یفیده استقراء تلک الأبواب. وإن لم یُقبل کون هذا الاستقراء دلیلاً فهو مؤیّد جید. ولم یتعرّض الإمام ـ قدّس سرّه ـ إلى هذا الفرع.
فی أنّه لا فرق فی هذا الحکم بین أن تکون الأُختان من النسب أو من الرضاع، وقد تعرّض الإمام ـ قدّس سرّه ـ إلى هذا الفرع.
ویدلّ علیه الإجماع، وعموم ((یحرم من الرضاع ما یحرم من النسب))(2)، وخصوص صحیحة أبی عبیدة قال: سمعت أبا عبد الله ـ علیه السلام ـ یقول: ((لا تنکح المرأة على عمّتها ولا خالتها ولا على أختها من الرضاعة))(3).
وقد استدللنا بهذه الروایة سابقاً فی مبحث عدم جواز نکاح المرأة على عمّتها أو خالتها إلاّ بإذن العمّة والخالة، وذکرنا هناک بأنّ قید (من الرضاعة) یُحتمل عوده إلى تمام الفقرات الثلاث، وإلى خصوص الأخیرة، ولکنّه على کلّ حال یشمل الأخیرة، فتکون الروایة دلیلاً على ما نحن فیه.
فی أنّه لا یُفرّق فی هذا الحکم بین أن یکون النکاحان دائمین أو منقطعین أو مختلفین.
ویدلّ علیه:
أوّلاً: الإجماع.
وثانیاً: عموم قوله تعالى: (وَأَن تَجْمَعُوا بَیْنَ الأُخْتَیْنِ)، فإنّ المقصود بحرمة الجمع هو الجمع بینهما بالنکاح، ونکاح المتعة نکاحٌ.
وذلک کما فی قوله تعالى: (حُرِّمَتْ عَلَیْکُمْ بَنَاتُکُمْ) فإنّه لا شک فی شموله للمتعة.
إذن دلالة هذه الآیة بنحوٍ أعلى من الإطلاق، بل إنّه یمکن القول بشمولها للإماء أیضاً.
وثالثاً: خصوص روایة رواها محمد بن یعقوب الکلینی، عن علی بن إبراهیم، عن أبیه، عن إسماعیل بن مرار ـ وهو مجهول الحال ـ عن یونس ـ والظاهر أنّه یونس ابن عبد الرحمن ـ قال: قرأت کتاب رجل إلى أبی الحسن ـ الکاظم ـ ـ علیه السلام ـ: الرجل یتزوّج المرأة متعة إلى أجل مسمّى فینقضی الأجل بینهما، هل یحلّ له أن ینکح أختها من قبل أن تنقضی عدّتها؟ فکتب: ((لا یحلّ له أن یتزوّجها حتى تنقضی عدّتها))(4). فإذا لم یکن الجمع جائزاً فی العدّة فإنّه لا یجوز فی أصل النکاح بطریق أولى.
هذا، ولکن هناک حدیث معارض یقول بأنّه لا إشکال فی الجمع بین الأختین فی المتعة، هو: ... عن محمد بن سنان ـ ولم یثبت عندنا توثیقه ـ عن منصور الصیقل، عن أبی عبد الله ـ علیه السلام ـ قال: ((لا بأس بالرجل أن یتمتّع أختین))(5).
وسند هذه الروایة مشکلٌ، ومن الممکن أن تکون الروایة بمعنى نکاحهما متعة على التوالی، لا أنّه یجوز له الجمع بینهما، ولکنّه على خلاف الظاهر.
إن قلت: إن کان المقصود هو التناوب فی نکاحهنَّ فإنّه جائز حتى فی النکاح الدائم، فلماذا الترکیز فی هذه الروایة على خصوص المتعة؟
قلنا: لعلّ الفرق هو أنّه فی النکاح الدائم تَحرُم المرأة فی الطلاق الثالث فلا یستمر التناوب إلى ما لا نهایة، بخلافه فی النکاح المنقطع.
وعلى کلّ حال، لا فرق فی الحرمة هنا بین أن یکون النکاح دائماً أو منقطعاً.
الفرع الرابع
فی أنّه لا یُفرَّق فی هذا الحکم بین أن یکون قد دخل بالأولى أو لا، فإنّه على کلا الحالین یَحرُم الجمع بین الأختین.
ویدلّ علیه الإجماع وإطلاق الآیة والروایات بالتقریب السابق فیهما.
الفرع الخامس
ویقع الکلام فیه حول أنّه لو عقد على الأختین معاً بعقد واحد أو بعقدین متقارنین تماماً، فهل یبطل العقدان، أو یکون الزوج مخیّراً بانتخاب إحداهما إمّا لفظاً أو عملاً من دون حاجة إلى إنشاء عقد جدید؟
هناک اختلاف بین الأعلام فی ذلک، فقد نُقل عن بعضهم ـ لاسیّما المتأخرین ـ القول ببطلان العقدین، ولکن نقل عن آخرین القول بالتخییر.
قال الشهید الثانی ـ قدّس سرّه ـ: (القول بالبطلان لابن إدریس، وتبعه المصنّف وأکثر المتأخرین... والقول بالتخییر للشیخ وأتباعه)(6).
وأفتى الشیخ ـ قدّس سرّه ـ فی (النهایة) ـ والذی هو کتاب فقهی روائی ـ بالتخییر، ولکنّه فی (المبسوط)(7) ـ والذی هو کتاب فقهی فرّع فیه الأحکام الشرعیة ـ أفتى بالبطلان.
وقد قال ابن إدریس ـ قدّس سرّه ـ بالتخییر فی بدایة کلامه موافقاً فی ذلک للشیخ فی (النهایة) تبعاً لما تقتضیه بعض الأخبار، ثم قال: (والذی تقتضیه أصول المذهب أنّ العقد باطل)(8).
وعن المحقق ـ قدّس سرّه ـ أنّ الأشبه بطلان العقد.
والخلاصة: أنّ هناک قولین فی المسألة، ولعلّ الأظهر البطلان، ولکن القول بالتخییر لیس شاذاً.
دلیل القول بالبطلان
الدلیل المذکور للبطلان هو أنّ ذلک ما تقتضیه القاعدة؛ لأنّ حال ما وقع لا یخلو عن أربع احتمالات:
1 ـ أن یکون العقدان صحیحین معاً، وهو غیر ممکن؛ لأنّه جمعٌ بین الأختین.
2 ـ أن یکون أحدهما بعینه صحیحاً، وهو غیر ممکن أیضاً؛ لأنّه ترجیح بلا مرجّح.
3 ـ أن یکون الصحیح أحدهما لا بعینه، وهذا أمرٌ ذهنی لا وقوع خارجی له؛ لأنّ الموجود الخارجی دائماً یکون بعینه، فلا یصحّ هذا الاحتمال.
4 ـ أن یکون کلا العقدین باطلاً، وهو الاحتمال الصحیح.
وهذا فی الواقع دلیلٌ عقلی نتیجته الحکم بالبطلان، وهو شبیه الاستدلال المذکور فی باب تعارض الدلیلین من أنّه لا یمکن القول بحجیتهما معاً؛ ولا بحجیّة أحدهما المعیّن؛ لأنّه ترجیح بلا مرجّح. ولا بحجیّة أحدهما لا بعینه؛ لأنّه لا وجود خارجی له، ولا بحجیّة أحدهما على نحو التخییر؛ لأنّ أدلّة الحجیّة لا تساعد على ذلک، فلا یبقى إلاّ التساقط، یعنی یسقط کلاهما عن الحجیّة.
وهذا الاستدلال العقلی یأتی فی کلّ مکان کان فیه متعارضان.
وصلّى الله على سیدنا محمد وآله الطاهرین.
________________________
(1) النساء: 23.
(2) الوسائل 20: 371، أبواب ما یحرم بالرضاع، ب1، ح1.
(3) الوسائل 20: 476 ـ 477، أبواب ما یحرم بالمصاهرة، ب24، ح2.
(4) الوسائل 20: 480، أبواب ما یحرم بالمصاهرة، ب27، ح1.
(5) الوسائل 20: 481، أبواب ما یحرم بالمصاهرة، ب27، ح2.
(6) مسالک الأفهام 7: 313 ـ 314.
(7) المبسوط 4: 206.
(8) السرائر 2: 536.
الهوامش: