بسم الله الرحمن الرحیم
والصلاة والسلام على أشرف الخلق محمد وآله الطاهرین.
یقول الإمام الخمینی قدّس سرّه: (مسألة 16: لو تزوّج بالأختین ولم یعلم السابق واللاحق، فإن علم تاریخ أحدهما حکم بصحته دون الآخر، وإن جهل تاریخهما فإن احتمل تقارنهما حکم ببطلانهما معاً، وإن علم عدم الاقتران فقد علم إجمالاً بصحة أحدهما وبطلان الآخر، فلا یجوز له عمل الزوجیة بالنسبة إلیهما أو إلى إحداهما ما دام الاشتباه، والأقوى تعیین السابق بالقرعة، لکن الأحوط أن یطلّقهما أو یطلّق الزوجة الواقعیة منهما ثم یزوّج من شاء منهما، وله أن یطلّق إحداهما ویجدّد العقد على الأخرى بعد انقضاء عدّة الأولى إن کانت مدخولاً بها).
هذه المسألة والمسائل الأربع اللاحقة کلّها من فروع المسألة السابقة، أی مسألة حرمة الجمع بین الأختین.
ولا یوجد فی هذه المسألة نصّ خاصّ، ولذا لابدّ من بیان حکمها بحسب ما تقتضیه القواعد.
وقلَّ من تعرّض للبحث فی هذه المسألة وإن کان قد تعرّض لها جمعٌ من الأعاظم، مثل العلامة الحلّی ـ رحمه الله ـ فی (القواعد)، ویتبعه کل من شرح (القواعد) مثل المحقق الکرکی ـ رحمه الله ـ فی (جامع المقاصد)(1)، ومثل صاحب الجواهر قدّس سرّه(2)، والسید الحکیم قدّس سرّه(3)، فبحثها بشکل مفصّل رغم أنّ کتابه مبنی على الاختصار.
وعلى کلّ حال فی المسألة ثلاث صور:
الصورة الأولى: أن یکون أحدهما معلوم التاریخ دون الآخر، کأن یعلم بأنّ عقد فاطمة ـ مثلاً ـ وقع فی رجب، وأمّا عقد خدیجة فلا یُعلم أنّه وقع قبله أو بعده، فما هو الحکم؟
لابدّ هنا من الحکم بصحة العقد معلوم التاریخ؛ لأنّه یمکن استصحاب عدم تقدّم العقد مجهول التاریخ على رجب، فیکون العقد معلوم التاریخ مستجمعاً لأرکان الصحة فیکون صحیحاً.
وبعبارة أخرى: هاهنا أمران لابدّ من ثبوتهما لکی یُحکم بالصحة، أوّلهما ـ وهو وقوع العقد على فاطمة ـ حاصلٌ بالوجدان، والثانی ـ وهو عدم تقدّم العقد على خدیجة علیه ـ یثبت بالاستصحاب. والأمر الثانی هنا هو أمرٌ عدمی یمکن إثباته بالاستصحاب، لا أمرٌ وجودی کحیثیة التأخّر ـ مثلاً ـ حتى یکون إجراء الاستصحاب بلحاظها أصلاً مثبتاً.
إن قلت: ألا یُثبت هذا الاستصحاب التقارن بین العقدین؟ لأنّ استصحاب عدم تقدّمه لا یثبت تأخّره، إذن یکون مقارناً مع العقد الآخر، فیبطل کلا العقدین.
قلنا: صحیحٌ أنّ استصحاب عدم تقدّمه لا یثبت تأخّره، ولکنّه لا یثبت مقارنته؛ لأنّ هذا لازم عقلی فیکون الأصل بلحاظه مثبتاً.
أضف إلى ذلک أنّه یمکننا استصحاب عدم وقوع عقد خدیجة فی رجب أیضاً طالما أنّه مجهول التاریخ.
الصورة الثانیة: أن یجهل تاریخ کلا العقدین ویحتمل تقارنهما، ویحکم هنا بفسادهما معاً تبعاً لاحتمال تقارنهما؛ لأنّه صحیحٌ أنّ احتمال صحتهما معاً یجوّز إجراء أصالة الصحة فی کلٍ منهما، ولکنّهما تتعارضان وتتساقطان ویرجع إلى أصالة الفساد.
الصورة الثالثة: أن یجهل تاریخ کلا العقدین ویعلم بعدم التقارن، فأحد العقدین صحیحٌ قطعاً، أی یُعلم إجمالاً بصحة أحدهما، فتجری أحکام العلم الإجمالی. وأوّل حکم یجب مراعاته فی أطراف العلم الإجمالی هو لزوم الاحتیاط، ومقتضاه هنا ترک المعاملة مع کلّ منهما معاملة الزوجة.
ویقع البحث فی مدّة هذا الاحتیاط وسبیل الخلاص منه، حیث إنّه لا یمکن أن یستمرّ إلى ما لا نهایة؛ لأنّ ذلک یلزم منه الضرر على الزوج حیث لا یمکنه أن یستفید من زوجته، وعلى الأختین حیث إنّهما معلّقتان.
وهناک أربعة حلول مذکورة للتخلّص من هذه المشکلة:
قال فی (الجواهر): (أُقرع فی وجه قوی)(4).
وقال فی (المستمسک): (هذا القول لم أقف على قائله)(5)، والحال أنّ صاحب الجواهر ـ قدّس سرّه ـ یقوّی صراحةً الرجوع إلى القرعة.
وعلى أیّ حال، فإنّ السید الحکیم ـ قدّس سرّه ـ یدّعی بأنّ إطلاق دلیل القرعة یشمل المقام؛ حیث إنّها لکل أمر مشکل، وهذا أمرٌ مشکل.
وهو ـ قدّس سرّه ـ بذلک یجیب على إشکالٍ للمحقق الکرکی ـ قدّس سرّه ـ فی (جامع المقاصد) مفاده أنّ القرعة لا مجال لها فی الأمور التی هی مناط الاحتیاط التامّ، وهی الأنکحة التی تتعلق بها الأنساب والإرث والتحریم والمحرمیة.
فهو ـ قدّس سرّه ـ یذکر الأنکحة، ونضیف نحن الدماء؛ فإنّه لا یمکننا أبداً أن نعیّن القاتل المشتبه بین جماعة بالقرعة بل نأخذ الدیة بالسویّة من الجمیع.
والإنصاف أنّ کلام المحقق الثانی موجّه أکثر من کلام السید الحکیم قدّس سرّهما. أضف إلى ذلک أننا فی بحثنا فی قاعدة القرعة من کتابنا (القواعد الفقهیة) ذکرنا بأنّ مورد القرعة هو فیما إذا لم یکن هناک مجال لجریان أیّ من الأصول اللفظیة أو العملیة، أی فیما إذا وصلنا إلى طریق مسدود، وذلک کما إذا اشتبه ولدٌ بین أن یکون ابناً لزید أو لعمرو، أو أردنا تعیین جنس الخنثى المشکل؛ فإننا حینئذٍ نرجع إلى القرعة. وهکذا فی مورد اشتباه الغنم الموطوءة فی القطیع ـ والذی هو مورد بعض روایات القرعة ـ فإنّ الاحتیاط باجتناب الجمیع غیر ممکن، ولذا ورد النصّ من الشارع المقدّس بالرجوع إلى القرعة.
ولکن یمکن فی مسألتنا الاحتیاط، وذلک بطلاق کلتیهما، ثم العقد مجدداً على من یشاء منهما. وعلیه فلا حاجة إلى القرعة.
إن قلت: یلزم من هذا الاحتیاط الضرر على الزوج، حیث یجب علیه دفع المهر مع أنّه لا یحصل مقابله على زوجة، إذن لابدّ من الرجوع إلى القرعة.
قلنا: غایة ما یفیده هذا الإشکال الالتزام بالتفصیل فی جریان القرعة، بمعنى أنّه یمکن أن یکون المهر قلیلاً أو کثیراً وتتنازل عنه الزوجة، فحینئذٍ یمکن الاحتیاط فلا یرجع إلى القرعة، وفی غیر ذلک یرجع إلیها مع غضّ النظر عن إشکال المحقق الکرکی قدّس سرّه.
1 ـ أن یطلّق کلتیهما بقصد الرجاء.
2 ـ أن یطلّق الزوجة الواقعیة منهما بأن یقول مثلاً: (زوجتی الواقعیّة التی نکحتها من قبل طالق)؛ لأنّه یمکن الإشارة إلى الزوجة الواقعیة.
3 ـ أن یطلّق إحداهما بعینها، فإنّها إن کانت زوجته واقعاً حلّ له الزواج من أختها، وإن لم تکن زوجته واقعاً فإنّ الأخرى التی یرید تجدید العقد علیها هی زوجته الواقعیة ولا یضر تجدید العقد علیها. نعم لو کان قد دخل بإحداهما یجب الانتظار إلى تمام العدّة قبل تجدید العقد على الأخرى.
الحلّ الرابع: الفسخ، ولم یشر إلى هذا الحلّ أحد.
وبیانه: أنّه یمکن للزوج أو للأختین فسخ العقد؛ لأنّ فسخ العقد هنا أولى من فسخه فی مورد العنن وأمثاله، باعتبار أنّه هناک لا یمکن الوطء فقط بخلاف سائر الاستمتاعات، بینما هنا لا یجوز له شیء من ذلک. وإذا فسخ العقد تنحلّ مشکلة المهر؛ لأنّه لا یثبت فی کثیر من موارد الفسخ.
وصلّى الله على سیدنا محمد وآله الطاهرین.
_______________________
(1) جامع المقاصد 12: 343.
(2) الجواهر 29: 382.
(3) المستمسک 14: 244.
(4) الجواهر 29: 382.
(5) المستمسک 14: 247.
الهوامش: