والصلاة والسلام على أشرف الخلق محمد وآله الطاهرین.
یقول الإمام الخمینی ـ قدّس سرّه ـ: (مسألة 18: الظاهر جریان حکم تحریم الجمع فیما إذا کانت الأختان کلتاهما أو إحداهما من زنا).
هذه المسألة أیضاً من المسائل التی قلّ التعرّض لها فی کلمات الأعلام. وقد أشار إلیها السیّد الطباطبائی الیزدی ـ قدّس سرّه ـ فی (المسألة 47) من مسائل المحرمات بالمصاهرة، إلاّ أنّه احتاط فیها ولم یفتِ کما صنع الإمام قدّس سرّه.
لا شک فی صدق عنوان الولد على الولد غیر المشروع، فهو ولد عرفاً؛ لانعقاد نطفته من هذا الرجل وهذه المرأة. وعلیه یجب أن تجری علیه تمام الأحکام التی ذکرتها الأدلة للولد، إلاّ ما خرج بالدلیل، وهو المیراث فقط وأنّ ولد الزنا لا میراث له.
إذن تجری فی حقّه تمام محرّمات النکاح، فیحرم الجمع بین الأختین ولو کانتا من الزنا، ویحرم علیه الزواج من أمّه وأخته و... وهکذا.
کما ویترتب على ذلک أیضاً وجوب نفقته على أبیه وأمّه وکون ولایته وحضانته علیهما. نعم دلّ الدلیل المعتبر على عدم إرثه فقط.
المناقشة فی مقالة للسید الحکیم قدّس سرّه
ادّعى السید الحکیم ـ قدّس سرّه ـ عند تعلیقه على النبوی المعروف: ((الولد للفراش وللعاهر الحجر))(1) بأنّ مفاده أنّ ولد الزنا لیس ولداً واقعاً؛ لأنّ الولد هو الذی یتولّد عن فراش ونکاح، وفی غیر ذلک لا تجری علیه الأحکام المذکورة للولد(2).
وفیه: أنّه ـ قدّس سرّه ـ لا یقبل بأیٍّ من لوازم هذا القول؛ وذلک:
أوّلاً: لأنّ لازمه جواز أن یتزوّج الأخ من أخته أو أمّه أو ... من الزنا، وهذا ما لم یلتزم به أحد حتى نفس السید الحکیم قدّس سرّه.
وثانیاً: هل إنّ قوله: ((الولد للفراش)) مربوط بمقام الإثبات، کما إذا اعتدى أحد على امرأة متزوّجة وجاءت المرأة بولد ولا یُعلم أنّه من زوجها أو من المعتدی، فهنا ـ فی مورد الشک ومقام الإثبات ـ نستفید من هذا الحدیث ونقول بأنّه من زوجها؛ لأنّه هو صاحب الفراش؟ أو أنّه مربوط بمقام الثبوت، کما لو زنت المرأة المتزوّجة وجاءت بولد فإنّه لا یکون للفراش؛ لأنّه لم یحصل نتیجته، إذن لا یکون ولداً ولا تترتب علیه أحکام الولد؟
الظاهر أنّ المقصود بهذا الحدیث هو مقام الإثبات لا الثبوت، فإذا ولدت المرأة المتزوجة وکانت قد زنت ـ مثلاً ـ وشک فی أنّ الولد للفراش أو من الزنا فیحکم بکونه للفراش.
یقول الإمام الخمینی ـ قدّس سرّه ـ: (مسألة 19: لو طلّق زوجته فإن کان الطلاق رجعیاً لا یجوز ولا یصحّ نکاح أختها ما لم تنقض عدّتها، وإن کان بائناً جاز له نکاح أختها فی الحال. نعم، لو کانت متمتعاً بها وانقضت مدتها أو وهبها لا یجوز على الأحوط لو لم یکن الأقوى نکاح أختها قبل انقضاء العدّة وإن کانت بائنة).
هذه المسألة أیضاً فرع آخر من فروع حرمة الجمع بین الأختین، وفیها ثلاث صور نتعرّض إلى حکمها تباعاً.
الصورة الأولى
أن تکون الأخت الأولى مطلقة رجعیاً. والظاهر أنّه لا خلاف فی حرمة نکاح أختها فی هذه الصورة.
قال السید الحکیم ـ قدّس سرّه ـ: (بلا خلاف کما فی الجواهر؛ لأنّها بمنزلة الزوجة)(3).
الأدلة
1 ـ القاعدة الکلیة المستفادة من استقراء أحکام المطلقة الرجعیة والتی مفادها أنّ المطلقة الرجعیة بحکم الزوجة فی تمام الأحکام.
ووجه ذلک: أنّه لم یحصل الانفصال تماماً، ومتى ما شاء الزوج یمکنه أن یرجعها من دون الحاجة إلى عقد جدید. وعلیه لا یمکنه أن یعقد حینئذٍ على أختها؛ لأنّه من قبیل الجمع بین الأختین.
2 ـ ویدل علیه أیضاً مفهوم روایة أبی الصباح الکنانی عن الصادق علیه السلام.
... عن محمد بن الفضیل ـ وهو إمّا مجهول الحال وإمّا من الغلاة عند بعضهم ـ عن أبی الصباح الکنانی ـ وهو من الثقات قال له الصادق ـ علیه السلام ـ: ((أنت میزان لا عین فیه))، وعلى أی حال فالروایة مشهورة ومعمول بها بین الأصحاب، فیجبر ذلک ضعف سندها ـ عن أبی عبد الله علیه السلام، قال: سألت عن رجل اختلعت منه امرأته، أیحلّ له أن یخطب أختها قبل أن تنقضی عدّتها؟ قال: ((إذا برئت عصمتها منه ولم یکن له رجعة فقد حلّ له أن یخطب أختها))، الحدیث(4).
إنّ منطوق هذه الروایة هو الطلاق البائن ـ أی موضوع بحثنا فی الصورة الثانیة ـ ولکنّ مفهومها یتحدّث عن الطلاق الرجعی، وأنّه إذا لم یکن الطلاق رجعیاً فإنّه یجوز له أن یخطب أختها.
وهناک روایة أخرى فی هذا الباب استند إلیها صاحب الجواهر ـ قدّس سرّه ـ وآخرون، ولکن دلالتها محلّ بحث.
... عن زرارة، عن أبی جعفر علیه السلام، فی رجل طلّق امرأته وهی حبلى، أیتزوّج أختها قبل أن تضع؟ قال: ((لا یتزوّجها حتى یخلو أجلها [وفی نسخة بطنها]))(5).
إنّ تمامیة الاستدلال بهذه الروایة تتوقّف على أنّ طلاق الحامل لا یکون إلاّ رجعیّاً، والحال أنّه یمکن أن یکون بائناً أیضاً کما لو کان خلعیّاً. وعلیه فالروایة أعمّ من الرجعی والبائن؛ إلاّ أنّه یمکن تخصیص عمومها بالروایة السابقة.
الصورة الثانیة
أن یکون طلاق الأخت الأولى بائناً، ومعه لا مانع من نکاح أختها.
الأدلة
1 ـ قاعدة الحلیة: ببیان أنّه مع البینونة التامّة الحاصلة نتیجة الطلاق البائن لو تزوّج الأخت الثانیة لا یصدق الجمع بین الأختین، فلا یکون هناک مانعٌ من الزواج منها؛ لأنّه یکون حینئذٍ مشمولاً لقاعدة الحلیّة المستفادة من قوله تعالى: (وأُحِلَّ لَکُم مَا وَرَاءَ ذَِلِکُمْ).
2 ـ ویدلّ علیه صریحاً منطوق روایة أبی الصباح الکنانی السابقة.
أضف إلى ذلک أنّه لا یوجد مخالف فی المسألة.
الصورة الثالثة
أن یکون قد تزوّج الأخت الأولى متعة وانتهت مدّتها أو وهبها ما تبقى منها ولم تنته عدّتها بعدُ، فهل یجوز له الزواج من أختها فی هذه الحالة أو لا؟
الأقوال
هناک خلافٌ بین الأعلام فی ذلک، والمشهور على أنّه یجوز له ذلک بحسب القاعدة؛ لأنّه لا یحصل منه جمعٌ بین الأختین.
قال فی (السرائر): (فإن کانت التطلیقة لا رجعة له علیها فی تلک العدّة... جاز له العقد على أختها فی الحال، وکذلک کلّ عدّة لا رجعة للزوج على الزوجة فیها یجوز له العقد على أخت المعتدّة فی الحال، متمتعة کانت أو مفسوخاً نکاحها ... وقد روی فی المتمتعة إذا انقضى أجلها أنّه لا یجوز العقد على أختها حتى تنقضی عدّتها، وهذه روایة شاذة مخالفة لأصول المذهب لا یلتفت إلیها ولا یجوز التعریج علیها)(7).
وقوله هذا یدلّ على شهرة وقوّة الجواز فی المسألة.
وفی (الجواهر) جعل حمل الروایة المزبورة على الکراهة أولى وصرّح بإعراض الأصحاب عنها(8).
ولکن السید محمد ـ قدّس سرّه ـ ذکر فی (نهایة المرام) بأنّ العمل بهذه الروایة متّجه؛ لصحة سندها وسلامتها من المعارض(9).
واحتاط لأجلها ابن البراج ـ قدّس سرّه ـ فی المهذب(10)، وعمل بها الشیخ فی (النهایة)(11) و(التهذیب)(12)، کما ونسب فی (الجواهر) إلى ابن حمزة الإفتاء بالحرمة.
إذن فالجواز مشهور؛ لتصریح الجواهر بإعراض الأصحاب عن تلک الروایة المتضمنة للحرمة، ولتعبیر ابن إدریس ـ قدّس سرّه ـ عنها بأنّها مخالفة لأصول المذهب. ولکن على کلّ حال هناک من خالف وأفتى بالحرمة.
وقد احتاط فی (العروة) وجوباً بالحرمة، وعلّل ذلک بالنصّ الصحیح؛ ووافقه علیه الأغلبیة العظمى من المحشّین على العروة. کما وقوّى الإمام الخمینی ـ قدّس سرّه ـ الحرمة هنا أیضاً.
الأدلة
1 ـ استدل المجوّزون بمقتضى القاعدة، حیث إنّه لا یحصل فی هذه الصورة جمعٌ بین الأختین، فتکون داخلة فی قوله تعالى: (وَأُحِلَّ لَکُم مَا وَرَاءَ ذَلِکُمْ).
2 ـ وأمّا القائلون بالحرمة فقد استدلوا بروایة لها أربعة طرق، المعتبر منها ـ على الأقلّ ـ اثنان، والروایة هی:
... عن الحسین بن سعید، قال: قرأت فی کتاب رجل إلى أبی الحسن الرضا ـ علیه السلام ـ: جعلت فداک، الرجل یتزوّج المرأة متعة إلى أجل مسمّى فینقضی الأجل بینهما، هل له أن ینکح أختها قبل أن تنقضی عدتها؟ فکتب ـ علیه السلام ـ: ((لا یحل أن یتزوّجها حتى تنقضی عدّتها))(13).
وعن یونس بن عبد الرحمن مثله(14)، وعن علی بن أبی حمزة نحوه(15)، ورواها أیضاً أحمد بن محمد بن عیسى فی نوادره(16) ولا أقل من صحة الطریق الذی فیه الحسین بن سعید الأهوازی، وروایة النوادر؛ لأنّ صاحب (الوسائل) ـ قدّس سرّه ـ کان عنده نوادر أحمد بن محمد بن عیسى ونقل هذه الروایة منه.
وقد حمل فی (الجواهر) هذه الروایة على الکراهة، وفی (التحریر) حملها العلامة ـ قدّس سرّه ـ على الاستحباب، أی استحباب الترک، والذی هو عبارة أخرى عن کراهة الفعل، وفی کلماتهم أنّ السبب فی هذا الحمل وذاک هو إعراض المشهور عنها. بل قد مرّ علیک ما ذکره ابن إدریس ـ قدّس سرّه ـ عنها.
أقول: إنّ إعراض المشهور هنا لیس له کثیر تأثیر؛ لأنّ المشهور الذین دیدنهم الاحتیاط فی بعض الموارد ترکوا الاحتیاط هنا وحکموا بالجواز، والوجه فی ذلک تمسّکهم بمقتضى القاعدة التی أشرنا إلیها آنفاً.
ولکن المشکلة هنا هی أنّ لازم هذا الجواز ـ لا محالة ـ الجمع بین الأختین؛ لأنّه بناءً علیه یجوز له فی الیوم الأول أن یتمتع بالأخت الأولى، وفی الیوم الثانی أن یتمتع بالأخت الثانیة، ثم فی الیوم الثالث یجوز له التمتع مجدداً بالأخت الأولى لأنّها إنّما تعتدّ منه، وهذا جمعٌ بین الأختین. وبهذا لا یتحقق هدف الشارع المقدّس من منع الجمع بین الأختین.
وعلیه فمن غیر البعید أن نوافق على الاحتیاط فی المقام ـ کما صنع محشو العروة ـ خصوصاً مع وجود روایة بهذه المتانة والوضوح.
إذن فالأحوط ـ لو لم یکن أقوى ـ عدم جواز نکاح الأخت حتى تنقضی عدّة الأخت المتمتع بها.
وصلّى الله على سیدنا محمد وآله الطاهرین.
_______________________
(1) الوسائل 26: 274 ـ 275، أبواب میراث ولد الملاعنة، الباب 8، ح1 و4.
(2) المستمسک 14: 259.
(3) المستمسک 14: 259.
(4) الوسائل 20: 481، أبواب ما یحرم بالمصاهرة، الباب 28، ح1.
(5) المصدر السابق: ح2.
(6) النساء: 24.
(7) السرائر 2: 537.
(8) الجواهر 29: 382.
(9) نهایة المرام 1: 180.
(10) المهذب 2: 185.
(11) النهایة: 455.
(12) التهذیب 7: 258.
(13) التهذیب 7: 258/ 1209.
(14) الکافی 5: 432، الباب 84، ح5.
(15) الفقیه 3: 337/ 1404.
(16) الوسائل 20: 480، أبواب ما یحرم بالمصاهرة، الباب 27، ح1.
الهوامش: