بسم الله الرحمن الرحیم
والصلاة والسلام على أشرف الخلق محمد وآله الطاهرین.
یقول الإمام الخمینی (قده): (مسألة 21: لو زنت امرأة ذات بعل لم تحرم على زوجها، ولا یجب على زوجها أن یطلّقها وإن کانت مصرّة على ذلک).
هناک عدّة نقاط للبحث فی هذه المسألة، فأوّلاً یبحث عن أنّه هل تحرم المرأة على زوجها فی صورة ارتکابها للزنا أو لا؟ وثانیاً یبحث عن أنّه فی صورة عدم حرمتها علیه هل یجب علیه أن یطلقها أو لا؟ وثالثاً فی أنّه هل یفرق فی ذلک بین إصرارها على ارتکاب الزنا وعدمه؟
الأقوال:
قال الشیخ (قده) فی (المبسوط): (إذا کانت له زوجة فزنت لا تبین منه والزوجیة باقیة إجماعاً, إلاّ الحسن البصری)(1).
ولعل مراد الشیخ صورة عدم إصرارها.
وقال فی (کشف اللثام): (ولو أصرّت امرأة على الزنا فالأصح أنّها لا تحرم وفاقاً للمشهور... وحرّمها المفید وسلاّر)(2).
إذن فی صورة عدم الإصرار لم یخالف أحد من السنة والشیعة إلاّ الحسن البصری, وفی صورة الإصرار خالف المفید وسلاّر من علمائنا.
الدلیل الأول: أصالة الحل المستفادة من قوله تعالى: (وَأُحِلّ لَکُم مَا وَرَاءَ ذلِکُمْ)(3).
الدلیل الثانی: الروایة العامة القائلة: (إن الحرام لا یفسد الحلال)(4) أو: ((.. لا یحرِّم الحلال))(5) أو: ((لا یحرِّم الحرامُ الحلالَ))(6) أو: ((ما حرّم حرام حلالاً قط))(7).
وهی روایة مشهورة أشرنا إلیها سابقاً، مرویة عن النبی ـ صلى الله علیه وآله ـ والأئمة المعصومین علیهم السلام.
الدلیل الثالث: مجموعة من الروایات الخاصة:
1ـ ... عن عباد بن صهیب، عن جعفر بن محمد علیه السلام, قال: ((لا بأس أن یمسک الرجل امرأته إن رآها تزنی إذا کانت تزنی...))(8).
والظاهر أن إحدى الجملتین الشرطیتین زائدة فی الروایة، ولم ینقل صاحب الجواهر (قده) الثانیة منهما(9). وعلى فرض اشتمال الروایة على کلتا الجملتین فهل تکون الثانیة إشارة إلى صورة الإصرار أو أنّها مجرد تأکید للجملة الأولى؟
لیس بعیداً فهم الإصرار من ذلک، طبعاً بشرط اشتمال الروایة على هذه الزیادة.
والروایة معمول بها بین الأصحاب فلو کان هناک شیء فی سندها ینجبر بعملهم.
2ـ عن النضر [بن سوید]، عن عبد الله بن سنان، قال: سألت أبا عبد الله ـ علیه السلام ـ عن رجل رأى امرأته تزنی، أیصلح له أن یمسکها؟ قال: ((نعم، إن شاء))(10).
والروایة معتبرة سنداً, والظاهر منها فعلها الزنا مرّة واحدة.
3ـ عن ابن أبی عمیر، عن علی بن یقطین، عن زرارة، عن أبی عبد الله علیه السلام, قال: ((جاء رجل إلى النبی ـ صلى الله علیه وآله ـ فقال: یا رسول الله، إنّ امرأتی لا تدفع ید لامس، قال: طلقها، قال: یا رسول الله إنّی أحبّها، قال: فامسکها))(11).
وهی تدل على عدم الحرمة حتى فی صورة الإصرار.
وحاصل هذه الروایات هو عدم الحرمة حتى فی صورة الإصرار، وإن کانت مثل هذه المرأة عار على زوجها ـ کما یقول صاحب الجواهر ـ فإذا کان الزوج صاحب کرامة لا یمکنه إلاّ أن یطلقها، وإن لم یکن طلاقها واجباً.
استدل القائلون بالحرمة فی صورة الإصرار بعدّة أدلة, هی:
الدلیل الأول: إطلاق قوله تعالى: (الزَّانِی لاَ یَنکِحُ إِلاّ زَانِیَةً أَوْ مُشْرِکَةً وَالزَّانِیَةُ لاَ یَنکِحُهَا إِلاّ زَانٍ أَوْ مُشْرِکٌ وَحُرِّمَ ذلِکَ عَلَى الْمُؤْمِنِینَ)(12) حیث إنّه یشمل ما نحن فیه.
وقد یقال: لیست الآیة فی مقام بیان حکم شرعی، وإنّما تشیر فی جملة خبریة إلى مسألة خارجیة مرسومة بین العقلاء, وهی أنَّ کلاً یسعى وراء من هو مثله، فهی على وزان قوله تعالى: (الْخَبِیثَاتُ لِلْخَبِیثِینَ وَالْخَبِیثُونَ لِلْخَبِیثَاتِ وَالطَّیِّبَاتُ لِلطَّیِّبِینَ وَالطَّیِّبُونَ لِلطَّیِّبَاتِ)(13). وشبیه هذا النحو من البیان ما یقال من إنّک إذا أردت معرفة شخص فانظر إلى أصدقائه وجلسائه.
وفیه: أنَّ قوله تعالى فی ذیل الآیة (وَحُرِّمَ ذلِکَ عَلَى الْمُؤْمِنِینَ) یجعل مائزاً بین هذه الآیة وقوله تعالى: (الْخَبِیثَاتُ لِلْخَبِیثِینَ...)؛ حیث إنّه واضح الدلالة على التشریع والحکم لا الإخبار عن الواقع الخارجی.
ویمکن أن یجاب على الاستدلال بهذه الآیة من ثلاث جهات:
الأولى: من ناحیة أنّه من قال أنّ الآیة ناظرة إلى استدامة النکاح؟ إنّها ناظرة إلى ابتداء النکاح. نعم، إذا أخذنا النکاح بمعنى الوطء فإنّها تشمل حینئذ حتى استدامة النکاح. ولکنّنا ذکرنا فی أوّل کتاب النکاح أنّ النکاح هنا بمعنى العقد لا الوطء، واستدامة النکاح لیست عقداً جدیداً.
الثانیة: فی أنّ الآیة تشمل صورة زنا الزوج أیضاً، فعلیکم أن تقولوا بحرمته حینئذ، ولا تقولون بذلک.
الثالثة: أنّه لا فرق فی الآیة بین الإصرار وعدمه، فعلى المستدلّ بها على الحرمة أن یفتی بالحرمة مطلقاً، والحال أنّه لا یقول بالحرمة إلاّ فی صورة الإصرار.
إذن هذه الآیة أجنبیة عمّا نحن فیه، ولا یفرق فیها بین زنا الرجل وزنا المرأة، وبین الإصرار وعدمه. وهذا قرینة على حملها على الکراهة، وفی موردها فقط.
وصلى الله على سیدنا محمد وآله الطاهرین.
_________________
(1) المبسوط 4: 202.
(2) کشف اللثام 7: 186.
(3) النساء: 24.
(4) الوسائل 20: 425 ـ 426، أبواب ما یحرم بالمصاهرة، الباب 6، ح6و10.
(5) الوسائل 20: 426، أبواب ما یحرم بالمصاهرة، الباب 6 ح11.
(6) الوسائل 20: 427، أبواب ما یحرم بالمصاهرة، الباب 6 ح12.
(7) الوسائل 20: 426، أبواب ما یحرم بالمصاهرة، الباب 6 ح 9.
(8) الوسائل 20: 436، أبواب ما یحرم بالمصاهرة، ب 12 ، ح1.
(9) الجواهر 29: 444.
(10) مستدرک الوسائل: 389، أبواب ما یحرم بالمصاهرة، ب 12، ح4.
(11) مستدرک الوسائل 14: 388، أبواب ما یحرم بالمصاهرة، ب 12، ح 2
(12) النور: 3.
(13) النور: 26.
الهوامش: