بسم الله الرحمن الرحیم
والصلاة والسلام على أشرف الخلق محمد وآله الطاهرین.
وتقریبه أنّ نکاح ذات البعل یوجب الحرمة الأبدیة فی صورتین:
الأولى: نکاحها مع العلم بکونها ذات بعل، وهذا ما کان یفعله بعض المستهترین قدیماً. وتحرم علیه هنا حتى مع عدم الدخول.
الثانیة: نکاحها جهلاً بکونها ذات بعل والدخول بها.
وهناک روایات کثیرة تعرّضت لبیان هذه الأحکام(1). فجاء الفقهاء هنا وقالوا: إنّ القول بالحرمة الأبدیة فی مسألتنا ـ الزنا بذات البعل ـ أولى منه فی نکاح ذات البعل؛ لأنّه یحصل مع العلم والعمد.
وممّن تمسّک بهذا الدلیل الشهید الثانی ـ قدّس سرّه ـ قال: (إذا ثبت تحریمها بالعقد المجرّد مع العلم فمع الدخول أولى)(2).
المناقشة فی الأدلة المذکورة للحرمة الأبدیة:
یمکن أن یناقش فی تمام الأدلة المذکورة للحرمة الأبدیة، أمّا الإجماع فبأنّه مدرکی؛ لاحتمال استناد المجمعین إلى الروایات المرسلة أو قیاس الأولویة، ویکفی فی سقوط الإجماع عن الحجیة استناد بعضهم إلى ما ذکرنا.
وأمّا الروایات المرسلة فبما مرّ.
وأمّا قیاس الأولویة ـ والذی هو أفضل الأدلة ـ فبیان النقاش فیه أنّ له فرعین:
الأول: صورة العلم حیث قیل: إنّ العقد على ذات البعل من دون دخول یوجب الحرمة الأبدیة، إذن الزنا بذات البعل أولى منه فی إیجاب الحرمة.
وفیه: أنّ هناک فرقاً بین المسألتین، حیث إنّ العقد على ذات البعل فیه هتک للقانون الإلهی وهو توأم مع التشریع، بینما الزنا بذات البعل رغم حرمته الشدیدة لیس توأماً مع التشریع، ومعه لا یمکن ادّعاء الأولویة؛ لأنّ الأولویة لابدّ أن تکون قطعیة.
الثانی: صورة الجهل حیث قیل: إن عقد على ذات البعل جاهلاً بکونها کذلک ودخل بها فذلک یوجب الحرمة الأبدیة رغم کونه وطء شبهة، فإذا زنى بها تحرم علیه بطریق أولى لفرض علمه بکونها ذات بعل.
وفیه: أنّنا لا نعرف ملاکات الأحکام، فلعل ملاک الحرمة فی نکاح ذات البعل هو حث الناس على الفحص عن النساء اللاتی یُراد الزواج منهنَّ إذا کُنَّ سابقاً ذوات بعولة، لاحتمال أن یکُنَّ لازلن کذلک، وقد یحصل أولاد نتیجة هذا الزواج، وتنکشف حقیقة الأمر بعد ذلک. فأراد الشارع بهذا التحریم مراعاة الناس للاحتیاط فی هذا الموضوع المهم. وهذا الاحتمال لیس وارداً فی الزنا بذات البعل، ومعه لا تتمّ الأولویة القطعیة.
إذن تمام الأدلة المذکورة للتحریم غیر تامّة.
أضف إلى ذلک هناک روایات متعددة مطلقة تقول بأنَّ الزنا لا یسبب حرمة النکاح لاحقاً، وفی بعضها تشبیه عام للمسألة هو: ((مثله مثل النخلة أصاب الرجل من ثمرها حراماً ثم اشتراها بعد فکانت له حلالاً))(3)، وهو یشمل غیر ذات البعل وذات البعل بعد طلاقها أو موت زوجها.
وأیضاً هناک فی بعض الروایات تعلیل عامّ هو: ((لا یحرّم حلالاً حرام))(4).
فهذه العبارات عامّة، تشمل ذات البعل وغیر ذات البعل. وعندما تطلّق المرأة أو یموت عنها زوجها تصبح حلالاً للجمیع، وأنتم تقولون: تحرم على الزانی، بینما الروایة تقول: ((لا یحرّم حلالاً حرام)).
إذن بمقتضى إطلاق هذه الروایات نقول بأنّ الزنا بذات البعل لا یوجب الحرمة الأبدیة.
هذا هو حکم المسألة من ناحیة فنّیة وفقهیة، ولکن لا یمکننا أن نتجاوز بسهولة الشهرة العظیمة والإجماع المذکور على الحرمة، لا سیّما أنّ النکاح مورد أکید للاحتیاط، لذا نقول: لا یترک الاحتیاط بترک النکاح من المزنی بها حال کونها ذات بعل. أمّا من ابتلى بذلک وتزوّج وأنجب منها أطفالاً وأصبح افتراقهما کالمحال فإنّه یمکننا فی أمثال ذلک أن نجوّز له هذا النکاح.
بقی هنا أمورٌ:
الأمر الأول: إذا قلنا بالحرمة أو بالاحتیاط الوجوبی فإنّ هناک صوراً لابدّ من ملاحظة أنّه یختلف فیها الحکم أولا ، هی:
1ـ لا فرق بین أن تکون ذات البعل مسلمة أو کافرة، ودلیله إطلاق الروایات ومعاقد الإجماعات.. وقد صرّح الإمام ـ قدّس سرّه ـ به.
2ـ لا فرق أیضاً بین الدائمة والمنقطعة.
3ـ لا فرق بین أن تکون ذات البعل مدخولاً بها من زوجها أو لا؛ لأنّها على کلا الحالین ذات بعل وتشملها الإطلاقات.
4ـ استظهر الإمام ـ قدّس سرّه ـ أنّه لا فرق فی الحرمة بین صورتی الجهل والعلم. ولکن یمکن المناقشة فی ذلک بأنّ العنوان المأخوذ فی الروایات ومعقد الإجماع هو عنوان (ذات البعل)، وهو منصرف إلى صورة العلم بهذا العنوان، وصورة العلم هی القدر المتیقّن من الخروج عن أصالة الحلّیة.
5ـ أشکل الإمام ـ قدّس سرّه ـ فی لحوق الحکم بالحرمة للمُکرَه على الزنا، وله الحقّ فی ذلک؛ لأنّ المکره لم یرتکب حراماً، والأصل هو الحلّیة، فلا یمکن الحکم بالحرمة الأبدیة فی حقّه.
إن قلت: الإکراه یرفع الأحکام التکلیفیة لا الوضعیة، والحرمة الأبدیة حرمة وضعیة فلا تکون مرفوعة بالإکراه، ولذا الزانی بذات البعل مکرهاً یجب علیه الغسل والمهر ـ وإن کان یرجع بالمهر على المکرِه ـ وهما حکمان وضعیان.
قلنا: نحن لا نرید أن ندّعی أنّ الإکراه یرفع الآثار الوضعیة دائماً، بل نقول: إنّ لهذا المورد خصوصیة توجب انصراف الإطلاقات عنه، وهی أنّه یقرّب فی النظر کون الحرمة الأبدیّة نوع عقوبة للزانی، ویحتمل أن تکون هذه هی حکمة الحکم، فمع هذا الاحتمال تنصرف الإطلاقات إلى المختار، وعلى مدّعی الإطلاق ردّ هذا الاحتمال.
الأمر الثانی: ذکر صاحب (العروة) ـ قدّس سرّه ـ فی المسألة(19) بأنّه لا فرق فی الحرمة بین أن یکون الزانی صغیراً أو کبیراً، ودلیله على ذلک هو الإطلاق.
وفیه: أنّ الصغیر لیس مکلّفاً، فالإطلاقات منصرفة عنه، وعلى مدّعی شمول الإطلاق له إثبات ذلک فی حقّه.
وصلّى على سیدنا محمد وآله الطاهرین.
___________________
(1) الوسائل 20: 446، أبواب ما یحرم بالمصاهرة، الباب 16.
(2) المسالک 7: 342.
(3) الوسائل 20: 434، أبواب ما یحرم بالمصاهرة، الباب 11 ، ح 3.
(4) الوسائل 20: 435، أبواب ما یحرم بالمصاهرة، ب 11، ح 9.
الهوامش: